د.رحيل الغرايبة
في معظم الندوات السياسية والفكرية التي تتعلق بمواضيع التنمية السياسية، أو قوانين الانتخابات البرلمانية والبلدية، يتم إثارة مسألة تمكين المرأة، ويكون هناك بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة والدفاع عنها من ذوي الأصوات العالية يلجأن إلى إثارة العواطف فيما يخص هذا الشأن، ويكون هناك دفاع مستميت عن تخصيص «كوتا» نسائية في المجالس المنتخبة، واعتبار ذلك من باب الإنصاف. من حيث المبدأ يجب رفع الصوت من أجل العمل على إنصاف المرأة، وأن تأخذ حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يتم تمكينها من الترشيح والانتخاب لمجلس النواب والمجالس البلدية والمحلية، فهذا من العدالة ولا غبار عليه، لأن الأصل في هذا الموضوع أن يتم انتخاب الشخص لكفاءته وما يملك من قدرات ومؤهلات تجعله قادراً على خدمة وطنه وشعبه دون تمييز ودون محاباة ايضاً. المطلوب من المرأة أن تؤهل نفسها للخدمة العامة وأن تثبت جدارتها للموقع وأن تقنع الجمهور بانتخابها لأنها تملك المؤهلات ما لا يملكها منافسها، ولذلك تم اللجوء إلى «الكوتا» النسائية بشكل مؤقت من أجل تصحيح النظرة السلبية تجاه المرأة في المجتمع، حتى يتم تصحيح هذا الانطباع الخاطىء من خلال ممارسة المسؤولية ومن خلال إثبات الجدارة في الواقع العملي، إن كان ذلك صحيحاً، وبعد ذلك لا بد من إلغاء «الكوتا» على اعتبارها وصفاً استثنائياً، ولكن ما نشاهده أن «الكوتا» أصبحت حقاً مكتسباً وأصبحت تزيد وتتجذر، مما يدل على أن هذا المسار لم يفلح، ولم يحقق اهدافه، بل إننا نلاحظ أن بعض الناشطات في هذا المجال يذهبن إلى القول إن المرأة تمثل نصف المجتمع ولذلك من حقها أن تحظى بنصف المقاعد، وهذا المنطق يحمل قدراً كبيراً من المغالطة، وقدراً كبيراً من التضليل للمشرع، لأن المرأة ليست ممنوعة من الترشيح للنيابة أو البلدية ولا أي موقع آخر، وعندما تكون قادرة على إقناع جمهورها بانتخابها فإنها سوف تنجح. وجود المرأة في البرلمان وفي مواقع المسؤولية ليس أمراً شكلياً، وليس مجرد ديكور، حتى يتم فرضها فرضاً على المجالس البرلمانية والبلدية رغم انف الناخبين، وأن تحتل هذا الموقع بوصفها امرأة، وليس بوصفها نائباً كفؤاً قادراً على الإنجاز وقادرة على تقديم الخدمة العامة. هناك عدد من النساء استطعن تحقيق الفوز على غير مقاعد «الكوتا»، مثل (توجان فيصل)، و (رولا الحروب) و (وفاء بني مصطفى)، وتكرر انتخاب بعضهن أكثر من مرة، مما يؤشر على أنه لا مشكلة في مجتمعنا الأردني تجاه المرأة، بدليل نجاحها (رئيساً) لاحدى البلديات في شمال المملكة في سنوات سابقة ونجاحها عضواً أكثر من مرة في بلديات الجنوب. القضية الأخرى إذا كان هناك خلل ثقافي ما في هذه المسألة فهذا يحتاج إلى علاج ثقافي وفكري واجتماعي عبر المناهج وعبر الوسائل التربوية الأخرى، ولو افترضنا هناك تمييز اجتماعي ضد المرأة، فإن المرأة لوحدها تستطيع حل هذه المعضلة من خلال قدرتها على الانتخاب لبنات جنسها، لكونها تمثل 50% من المجتمع ويزيد. ولذلك يجب الكف عن المطالبة برفع المظلومية عن طريق فرضها بـ «الكوتا» التي تعد خرقاً للمساواة التي يتم المناداة بها، ويجب الذهاب إلى تحسين قدرات الناخب على الفرز والاختيار وحسن الانتخاب لمن يحسن الأداء والإنجاز، سواء كان رجلاً أو امرأة، أو شاباً أو كهلاً.