حسن محمد الزبن
لم يكن يوم دم الشهداء إلا رسالة للأحرار، وما الدمع المرّ إلا لنكتب فيه حرقتنا، ونحتسب إلى الله صبرنا في مصابنا، ونحن نستذكر رحيل أربعة من فرسان الوطن، الدلابيح والرحاحلة والنجادا والشقارين، وقد طَرَّزُوا بدمائهم معاني التضحية والإقدام، وصنعوا قصة فخر سيبقى عبقها في سجل الوطن، وسيبقى عبق ومسك دمهم يطوف في كل الدروب الأردنية، وسيظل يتنسمه التراب من تحتهم ومن فوقهم، وسيظل للتضحية ارتباط وثيق أن يبقى الوطن مستقرا آمنا مطمئنا رغم أنف الجبناء، فكل جندي ودركي ورجل أمن في يقينه عقيدة لا تتزعزع، أخذ على عاتقه أن لا يخذل الوطن بارا بقسمه للذود عنه، وهو يعلم أنه مشروع شهيد فدوى للوطن، لا ينزاح عن إخلاصه لتلبية نداء الواجب متى تحتم أن يكون في مواجهة أي معتد آثم يريد أن ينال من هيبة الوطن، اجتمعت برجال جيشه وأمنه خصال المدرسة الأردنية من الشهامة والمروءة والنخوة والإيثار والإقدام بغض النظر عن رتبته العسكرية التي لا تزيده إلا تواضعا في حضرة الوطن، وهي شيم قلّ أن نجدها فيمن يفتقد الإيمان والولاء بأهمية عقيدة الأوطان، وضرورة بذل الغالي والرخيص لأجلها، ولأجل أن تبقى مرفوعة الجبين، وأن لا تهدد كرامتها، أو تنتقص سيادتها، أو تدنس حرماتها من طغم دخيلة حاقدة تعاديها وتتربص الشر والخراب، وتسعى للمكيدة والوقيعة بين أبناء الوطن من شماله وجنوبه ودب الفرقة والفتنة في مكونه الوطني.
سيبقى الشهداء أكرمنا، وأعلانا منازلا ومراتب في سكناهم بجوار الله العلي العظيم، وسيحيا ذكراهم وفحواهما بيننا يتناقله جيل الأردنيين جيلا بعد جيل، لا ينقطع لأنهم الرماح والسيوف والبنادق ورائحة البارود عندما لبوا نداء الوطن ليذودوا عن الحمى، وهم يمتطون صهيل الحب والعشق والانتماء له، تسكنهم أهازيج النصر، وتطوف في ذاكرتهم أسماء قوافل الشهداء ممن سبقوهم من النشامى، وقصص المنافحين في الدفاع عن شرف الأرض والرسالة والتاريخ وصون المسيرة من عاديات الأيام.
إنهم اليوم في رحاب الشهداء الأحياء عند ربهم، وفي ضيافة من قضوا في الكرامة وباب الواد واللطرون والقدس ومن تعانقت أرواحهم على أسواره، ومن قضوا في السموع والشيخ جراح ورام الله وقباطية وصور باهر والكفير والهوة ورجم المدفع والإصيفر والبيرة وعزون وعين الماء واليامون وبدو والبيرة وطوباس وبيت لحم ووادي التفاح في نابلس، ومن قضوا في ساحات الوغى والحرب دفاعا عن الحق من بواسل الجيش العربي، على أرض الجولان وغيرها من أرض العروبة، ومن قضوا في الدفاع عن حرمة الوطن وحياضه في قلعة الشوبك وغيرها من المواقع في مواجهة معاقل المخربين والداعشيين وأوكار الظلام.
سيبقى نجيع الدم الزكي لثلة الفرسان شهداء الواجب الحدث المفجع الذي لن يزيدنا إلا تماسكا وتوحدا ووعيا بما يُخطط لهذا البلد من مؤامرات ومكائد تستهدفه في جنح الليل ووضح النهار، وبعون من الله سيبقى الوطن حرا أبيا منيعا عصيا على كل الجبناء، وعلى الشهداء نترحم، وندعو الله أن يتغمدهم بالمغفرة وأن يلهم ذويهم الصبر وأحسن العزاء.
وخاب فآل المتربصون،
وخاب فآل الحاقدون،
وخاب فآل الدخلاء والمأجورون،
وخابت أفاعيل طغم الظلام وستنقلب عليهم في أوكارهم بإذن الله،
وحمى الله الأردن،