بقلم : عبدالله محمد القاق
مباحثات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع الرئيس الاميركي التي جرت في واشنطن الجمعة الماضي كانت على جانب كبير من الاهمية وتناولت الاوضاع اليمنية ومكافحة داعش الارهابية في المنطقة والاحداث بالعراق وسورية وليبيا وفلسطين . فزيارة الملك السعودي في هذه المرحلة بالذات ليست بروتوكولية عادية يتبادل فيها القائدان والمسؤولون في البلدين المجاملات، وإنما زيارة محورية غاية في الأهمية لإعادة صياغة علاقات ثنائية تجاوز عمرها 84 عاما من الزمن، وشهدت الكثير من التقلبات لكنها حافظت على مبدأ استمراريتها ومعالجة أوجه الاختلاف في بعض محطاتها بحكمة نادرة ومسؤولة. "فالملك سلمان يملك الكثير من الأوراق التي سيجد فيها أوباما وإدارته، ما يؤكد سلامة المسار الذي اختارته المملكة، العربية السعودية ووجدت فيه العلاج الأمثل لقضايا المنطقة وأزماتها، أي أن إزالة الشوائب من طريق العلاقات الثنائية كفيل بأن يفتح الطريق إلى توافقات كبيرة ومؤثرة تجاه عدد من القضايا". والواقع ان من اهم القضايا التي عرضت باستفاضة في لقاءات الزعيمين " مسألة حسم الوضع في سوريا والعراق ولبنان وليبيا باعتبارها قضية خطيرة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ومحاربة الإرهاب في المنطقة والعالم ومواجهته بجدية أكبر وبرغبة حقيقية في القضاء عليه من الجذور في مدى زمني قصير". فضلا عن تأمين المنطقة ضد أسلحة الدمار الشامل، والقضاء على ما من شأنه إشعال سباق تسلح نووي في المنطقة، وتحريم امتلاك كافة أسلحة الدمار الشامل، ومعالجة أوضاع الاقتصاد العالمي التي تسجل الآن تراجعا قويا لا مصلحة لدول العالم وشعوبه فيه". والواقع أن المملكة العربية السعودية تعتمد على سياسة محددة ترتكز إلى عدة عناصر، أهمها: الحفاظ على المملكة آمنة ومستقرة ونامية، وإبعاد منطقة الخليج عن المخاطر وتأمين سلامة شعوبها، وإعادة بناء المنظومة العربية وتعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها مع السعي إلى نشر السلام والأمن في المنطقة بجدية تامة، وإقامة جسور متينة للتعاون المشترك والبناء مع سائر دول المنطقة، بما فيها إيران على أسس واضحة ومتينة تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتقاسم مسؤولية العمل على حماية الإقليم من الأخطار والمهددات. إلى جانب، إقامة تحالف دولي قوي وفعال ومتجانس للإجهاز على التنظيمات الإرهابية والعمل على استئصالها، والتركيز بالتعاون مع الشركاء من الدول العربية، على تعزيز قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود أمام التحديات تجنباً للركود وللهزات النقدية الشديدة. وهذه الزيارة الأولى للملك سلمان، إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ توليه حكم المملكة، والثانية له بعد زيارته لواشنطن في أبريل 2012، عندما كان وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع..
والملاحظ ان اللجنة الخليجية – الأمريكية المشتركة لمكافحة الإرهاب التي اجتمعت في الرياض قبل نحو اسبوعين أكدت على ضرورة مكافحة الإرهاب الإيراني واتفقت خلال اجتماعاتها على خطط بهذا الشأن الامر الذي جعل مجلس الوزراء السعودي باجتماعه الأخير يشيد بالنتائج التي توصلت إليها اللجنة. وهذا الدعم لا شك يرضي الرياض وحليفاتها الخليجيات، كما قال المحلل السياسي الزميل سليمان النمر ولا سيما انه يترافق مع خطط تعمل واشنطن على اعدادها مع تركيا وحلفائها في المنطقة وفي الغرب لتنشيط الحرب على تنظيم الدولة في سوريا بشكل خاص.
ويرى مراقبون ان واشنطن استبقت زيارة الملك سلمان لها بالتأكيد يوم الجمعة الماضي على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض بان أي حل سياسي يجري الاعداد له للأزمة السورية يجب ان يتم بعيدا عن الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا هو الموقف السعودي نفسه من الأزمة السورية..
وهذا يؤكد – على عكس ما يردد بعض المحللين – ان محادثات العاهل السعودي مع الرئيس الأمريكي وأركان الإدارة الأمريكية كانت سهلة وايجابية، وخرجت بنتائج تؤكد استمرار التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
ان أحداث المنطقة العربية وملفاتها الساخنة جعلت من محادثات الملك سلمان مع الرئيس اوباما وأركان الإدارة الأمريكية لا سيما مسؤولي الكونغرس «محادثات ساخنة وذات أهمية». فاللقاء كان الأول بين ملك دولة تقود العالم العربي حاليا، وبين رئيس الدولة الأعظم في العالم ولذا فان لكل واحد مسؤولياته التي تفرضها الأحداث والمخاطر التي تهدد استقرار العالم..
وزيارة الملك سلمان لواشنطن تأتي بعد تحركات دبلوماسية عربية روسية، جرت الأسبوع الماضي. حيث جرت مشاورات بين كل من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني، عبد الله الثاني، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مع المسؤولين الروس في العاصمة موسكو وكان الموضوع الرئيسي في هذه المشاورات الوضع في سوريا واستشراف مبادرة حل سياسي لها. ويشكل تمدد تنظيم «الدولة» المستمر في المنطقة، وتجاوزه حدود سوريا والعراق، من خلال عمليات إجرامية شملت عدة دول خليجية أوقعت عدداً من الضحايا؛ من جراء تفجيرات تكررت خلال الأشهر الماضية في السعودية والكويت والبحرين، مصدر قلق دولي وعربي، ما سيضع موضوع «مكافحة الإرهاب» على رأس أولويات المباحثات.
وفي المحادثات الواضحة والصريحة ناقش الزعيمان الاتفاق النووي الأمريكي الغربي مع إيران والذي تحدث عن مخاوف السعودية ودول الخليج العربي من انعكاس هذا الاتفاق سلبا على أوضاعها الأمنية، الا انه يعتقد ان التطمينات الأمريكية السياسية والعملية تجعل من هذا الموضوع ليس مثار خلاف في المحادثات. كما وان القضية الفلسطينية استحوذت على اهتمام جلالة الملك سلمان والرئيس الاميركي اوباما .