فارس الحباشنة
اردنيا..نحن الوحيدون نفتح دواوين ومقار العشائر والروابط الجغرافية للقرى والمدن لاستقبال المباركات بتعيين مدير عام او امين عام او وزير او عضو مجلس اعيان، او سفير او محافظ، او اي موقع رسمي.
تقرأ خبرا صادرا عن اجتماع مجلس الوزراء يقول : عين فلان مديرا عاما او محافظا او مستشارا.. وفي اقل من لمح البصر تغرق وسائل التواصل الاجتماعي بالمباركة و التهاني، وتكتسح عبارت «بكم تزهو المناصب « و»انت قدها وقدود « و»خاوة «.. ويعلن عن اقامة حفل للمباركة واستقبال التهاني في ديوان العشيرة او المدينة او القرية، ويمتد الاحتفال ليومين واكثر، ويبدأ من ديوان عمان الى المحافظات واقصى الاطراف.
و تتوافد الناس الى الدواوين.. ويجلسون ويتسامرون ويشربون القهوة والشاي، والبعض يقدم للضيوف حلويات «كنافة ووربات «، ويقف صاحب العطوفة او السعادة او المعالي على مدخل الديوان، ويتقبل التهاني والتبريك بالمصافحة والتقبيل،و المعاضدة.
و ما يهمني، واثار فضولي ذات مرة، ان اعرف ماذا يقول المهنئون لصاحب العطوفة او السعادة ؟ ومرة دخل شيخ دين على مباركة لتعيين مدير عام، ويبدو انه مخربط في المكان، وشمط خبطة عصماء، ودعاء الى المرحوم وترحم على روحه الطاهرة، ولم يكن يعلم انه جالس في ديوان ومناسبة مباركة وتهنئة لمدير عام.
رجل الدين، وبعدما علم ان المناسبة مختلفة،وقف، وجلد خطبة اخرى لعطوفته، وتحدث عن خصاله الحميدة والطيبة، وانه ابيض السيرة والسريرة، ولا يعلم ما هو اسمه.. وفي اخر الخطبة طلب له بالدعاء الارتقاء والتقدم بالوظيفة.
و الحاضرون يردون باعلى اصواتهم وراء الخطيب اللهم «امين «.. وبعد ايام تنهال النميمة، ومباركو صاحب العطوفة والسعادة يبدأون في قذفه على الفيسبوك، وكيف انه لا يرد على التلفون او انه قام بتغيير رقمه الخليوي،او ان السكرتيرة ترد ولا تبلغ عطوفته ومعاليه.
تعريف اجتماعي مقلق للسلطة، وتعريف اجتماعي مقلق لمفهوم الوظيفة العمومية، وتعريف اجتماعي في غاية الحساسية لمفهوم الروابط : الدم والعشيرة والجهة « الجغرافيا «..ودونما ان ندرك ماذا تعني الدولة للاردنيين ؟ وان اي مفهوم جهوي وعشائري ومناطقي هو نحر وقتل للدولة في اركانها الدستورية والمؤسساتية.
للأسف ثمة مظاهر للاحتفال بالسلطة خطرها المرتد والمرتجع اكبر على السلطة نفسها.. واذا ما كانت السلطة تبحث عن ترسيخ وتثبيت قيم المواطنة العادلة،و النزاهة والمساواة الوطنية.. وما شدني هنا لكتابة هذه السطور ان المتشدقين في قيم ومبادئ المدنية والديمقراطية وغيرها، وهم اكثر المنجرفين في الغرف المغلقة والمفتوحة وراء الولاءات والتحالفات الكلاسيكية.
وهو انفصام اردني، ويستحق ان يدرس، ويستحق ان توجه له مراصد الاستطلاع والتحليل النفسي «الفرويدي»، والاجتماعي «الكانتي « والسياسي « المكافيلي «.. لنبش وتفكيك مستوى العرط والانتقام المرضي، والمكبوت في مفهوم السلطة والعلاقة مع الدولة.