د. هيثم علي حجازي
نشرت بعض المواقع الإخبارية الالكترونية مؤخرا تصريحات مفادها أن هناك توجها لإلغاء الترفيع الوجوبي لموظفي القطاع الحكومي، والتوجه عوضا عن ذلك لاعتماد مبدأ الترقية. وعلى الرغم من نُبل المقصد من وراء هذا التوجه، والمتمثل في تحسين أداء القطاع العام، وبغض النظر عمن هو صاحب هذه الفكرة، فإن الأمر، ومن باب النصيحة، يتطلب المزيد من الدراسة والتقصي، فمثل هذا الطرح يستدعي التوقف عند بعض القضايا التي يجب الالتفات إليها، ومنها:
• إن الترفيع الوجوبي حق للموظف الحكومي مقابل سنوات الخدمة التي يقضيها وهو يعمل في القطاع الحكومي، وبعكس الترقية التي تعني علميا وعمليا نقل الموظف من وظيفته الحالية إلى وظيفة أخرى تقع ضمن مستوى إداري أعلى. والترقية بجميع الأحوال تعتبر بمثابة مكافأة للموظف المُجِدّ الذي قدم جهودا متميزة عادت بالفائدة على أداء المؤسسة التي يعمل فيها، أو قد تكون المؤسسة مضطرة الى ترقية موظف ما لتعبئة شاغر وظيفي شغر برحيل شاغل تلك الوظيفة. ومثل هذا الحق أصبح حقا مكتسبا وبخاصة للموظفين الذين قضوا سنوات طويلة في العمل الحكومي وما يزالون على رأس عملهم، وقد (برمجوا) حياتهم المهنية وفق هذا الأساس، فكيف يتم الإخلال بالأسس والشروط التي تعينوا منذ سنوات بموجبها؟
• إن عدد الترقيات من وظيفة إلى أخرى من المؤكد أنه سيكون عددا محدودا، وهذا يعني أن عدد الموظفين الذين سينالون هذه الترقيات سيكون أيضا محدودا. فهل سيبقى بقية الموظفين بنفس درجاتهم ورواتبهم التي هم عليها؟
• في ظل ما ورد في أعلاه، وبحكم محدودية عدد الذين سيحصلون على ترقيات، فإن إلغاء الترفيع الوجوبي يعني محدودية عدد الذين سيتقدمون في السلم الوظيفي، وهذا يعني بشكل أو بآخر تلاشي فرص تكوين الصف الثاني والثالث من القيادات الإدارية.
• لا شك في أن أصحاب الخبرة والمعرفة بشؤون القطاع العام يعلمون تماما وعلى وجه الدقة أن عملية تقييم الأداء الفردي ما تزال في كثير من جوانبها تعتمد على الحدس والحكم الشخصي، وليس على أساس علمي موضوعي يقيِّم الأداء الفعلي للموظف، علاوة على أن مؤسسات القطاع الحكومي لم تصل بعد الى مرحلة إدارة الأداء المؤسسي، ولم تطبِّق أيضا استراتيجيات المسارات الوظيفية ولا خطط الاحلال والتعاقب، التي هي المدخل والطريق الصحيح لترقية الموارد البشرية. ومثل هذا الأمر قد يؤدي الى حصول مَن لا يستحق الترقية على الترقية التي تؤهله للتقدم في السلم الوظيفي. يضاف إلى ذلك أن القطاع الحكومي ما يزال يفتقر الى مفهوم إدارة المواهب والكفاءات.
• إن إلغاء الترفيع الوجوبي لن يساعد على تحقيق تحديث القطاع العام كما أراد جلالة الملك، فإلغاء الترفيع الوجوبي من المؤكد أنه سيؤدي إلى جمود تعويضات الموظفين، الأمر الذي سيعمل على إضعاف الروح المعنوية لدى العاملين في القطاع الحكومي، مما سينعكس سلبا على أدائهم وإنتاجيتهم، وهذا سيؤدي بدوره إلى المزيد من تراجع مستوى أداء هذا القطاع.
• وتبعا لما ورد في النقطة السابقة، فإن مثل هذا التوجه سيؤدي إلى إفراغ القطاع الحكومي من أصحاب المعرفة والخبرة، والجميع ما يزال يذكر ويعاني من تسرب الكفاءات من هذا القطاع نتيجة مشروع هيكلة القطاع الحكومي الذي تم (سلقه) عام 2012 ونتائجه الكارثية على صعيد الأداء الحكومي والصعيد المالي.
• إن السبيل الأفضل لتحسين أداء القطاع العام يتمثل في حُسن اختيار القيادات الإدارية بجميع مستوياتها، والتخلي فورا عن نظام الأقدمية في التعيين وليس الانتظار حتى عام 2027 واعتماد التعيين على أساس الكفاءة، والعمل على زيادة مخصصات تدريب الموارد البشرية العاملة في القطاع الحكومي وتطويرها، وتحسين نظام تقييم الأداء على المستويين الفردي والمؤسسي، وتجذير العدالة المؤسسية، وتحسين الاتصال والتواصل بين الموظفين والقيادات الإدارية الأمر الذي سيزيد من فرص التحسين والتطوير والابداع والابتكار.
• هذه بعض السلبيات التي يمكن أن تنشأ عن التوجه نحو إلغاء الترفيع الوجوبي، ومن المؤكد ان هناك جوانب أخرى لا يتسع المقام هنا لذكرها. وأكرر أن توجها مثل التوجه أمر يتطلب التشاور والاستماع الى مختلف الآراء المؤيدة والمعارضة له، والخروج بتوجه أو رأي وسط.
*أمين عام رئاسة الوزراء الأسبق / رئيس ديوان الخدمة المدنية الأسبق