بقلم :عبدالله محمد القاق
الاحتفال بعيد العرش في المغرب الذي جرى في الثلاثين من يوليو من كل عام له دلالات دينية كبيرة وسياسية واقتصادية كبيرة وسط انجازات واسعة حققتها المملكة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس والتي كانت مدعاة للتقدم والازدهار ٬
ففي هذا اليوم كما ابلغني سفير المغرب في الاردن السيد الحسن عبد الخالق بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لتربع جلالته على عرش اسلافه الميامين يخلد الشعب المغربي في الثلاثين من يوليو الجاري، الذكرى الرابعة عشرة لاعتلاء جلاة الملك محمد السادس، عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة طافحة بالرموز والدلالات تتجسد فيها أواصر الولاء الدائم والبيعة الوثقى والتلاحم العميق بين الشعب و العرش. ووصف السفير المغربي العلاقات الاردنية المغربية بانها وثيقة ومتينة بفضل حكمة وحنكة قيادة البلدين الملهمة في مختلف المجالات .
ويضيف السفير-لي -– في الحفل الكبير الذي اقامه بدارته بدابوق بحضور الوزراء والاعيان والنواب ورجال الصحافة والاعلام :ان ذكرى عيد العرش تمثل الملاحم البطولية التي خاضها الشعب والعرش، جنبا إلى جنب، منذ السنوات الأولى للكفاح الوطني من أجل الانعتاق من الاستعمار، وهو كفاح جسده شعار "الشعب بالعرش والعرش بالشعب"، الذي يعبر عن الحب والوفاء، الذي كان قائما بين السلطان سيدي محمد بن يوسف، رحمه الله، ورجال الحركة الوطنية وزعمائها ما بين سنتي 1930 و1955.
وقد سرني ما لاحظته وما شاهدته عن كثب خلال زياراتي للمغرب من إن البيعة التي يقدمها ممثلو مختلف جهات المملكة، خلال حفل الولاء تجسد العمق التاريخي والحضاري، الذي يتميز به المغرب، فقد كانت هناك، منذ نحو أكثر من 12 قرنا، هيئة تبايع الملوك في المغرب، تتشكل من كافة مكونات الشعب وفي مقدمتها العلماء وعلماء الشرع.
وإذا كانت ذكرى عيد العرش تعيد للشعب المغربي أمجاده التاريخية، فإنها تحل هذه السنة، وقد انخرط المغرب في تأكيد الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد للمملكة، وما فتحه من آفاق المشاركة الفعالة أمام الشعب المغربي لترسيخ النموذج المغربي المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي، الوفية لهويتها العريقة.
كما تحل هذه الذكرى في مرحلة جديدة تتسم بتواصل الإنجازات التي تحققت، منذ اعتلاء جلالة الملك محمد العرش قبل ست عشرة سنة، وفي مقدمة هذه الإنجازات ترسيخ تلاحم المجتمع المغربي بتحقيق مصالحة المغاربة مع ذاتهم ومع تاريخهم عبر العمل الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة، ورد الاعتبار للغة الأمازيغية كمكون من مكونات الهوية المغربية، وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان، من خلال مدونة الأسرة التي خولت للمرأة وضعا يحفظ لها كرامتها وينصفها ويمكنها من سبل المشاركة في الحياة العامة. ولعل من اهم القضايا التي تشغل المغرب الآن هي قضية الصحراء الغربية التي تعتبر جزءا لا يتجزأمن المغرب الام وقد اتيحت لي الفرصة لمرافقة جلالة الراحل الكبير الملك الحسن الثاني الذي قاد المسيرة الخضراء عام 1975 لدعم مواقف اهل المغرب للتجسيد على ان الصحراء مغربية واستعادتها من اسبانيا وما زال الموقف المغربي يدافع عن حقوقه الوطنية الثابتة في الصحراء حيث تبنى المغرب موقفا حازما امام سعي الولايات المتحدة ادراج حقوق الانسان في مهمة الامم المتحدة في الصحراء الخاضعة لسلطته مجازفا بزعزعة العلاقة “الاستراتيجية” مع الحليف الاميركي.فمنذ الكشف مؤخرا عن “مبادرات لتغيير طبيعة تفويض بعثة الامم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية” اعلنت التعبئة العامة في المملكة.وسيطرح تجديد تفويض المهمة التي تراقب وقف اطلاق النار في المنطقة منذ 1991 على مجلس الامن الدولي قبل نهاية نيسان/ابريل، وافادت مصادر مقربة من المفاوضات ان الولايات المتحدة اعدت مشروع قرار يجيز لمهمة الامم المتحدة التحقيق في احترام حقوق الانسان.
واثارت هذه المبادرة هزة مدوية في المغرب حيث استدعى القصر الملكي بشكل عاجل جميع القوى السياسية في اجتماع تم فيه “تكرار التاكيد على الاجماع الوطني” بحسب بيان.
وقد ظل جلالة ملك المغرب ، منذ اعتلائه العرش، حريصا على الاهتمام بانشغالات المواطنين بجميع فئاتهم، من خلال الوقوف الميداني على ظروف معيشهم والتجاوب مع انتظاراتهم، وهو الاهتمام نفسه الذي أحاط به جلالته أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج المتعلقة ببلدها، الوفية لهويتها، المساهمة في تنمية وطنها الأصلي. إن ما أقدم عليه المغرب من إصلاحات، وانطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم، فقد جعل جلالة الملك العدالة كما ابلغني السفير لحسن - الذي لعب دورا كبيرا في تسليط الضوء على قضية الحراء الغربية باعتبارها جزءا لا يتجزأمنه- في مقدمة النشاطات والورش الإصلاحية، سيما أن الدستور الجديد وضع استقلال القضاء في صلب منظومته، كما أطلق جلالته ورش الجهوية المتقدمة التي كرسها الدستور ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي في تنظيم هياكل الدولة.. ولذلك حرص جلالة الملك، منذ اعتلائه العرش، على جعل العنصر البشري، خاصة فئة الشباب، في صلب كل المبادرات التنموية، وهو ما تجسد في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي حققت نتائج إيجابية في النهوض بالفئات المعوزة ومكنت من سد الخصاص بالمناطق الأكثر هشاشة، التي تفتقر إلى التجهيزات الأساسية الضرورية. إن هذا الاهتمام والحرص والعناية التي يحيط بها جلالة الملك على الدوام، كافة أفراد شعبه وفي مختلف جهات المملكة،- كما قال لي السفير المغربي لدى البلاط الهاشمي الحريص عى دعم العلاقات الاخوية بين الاردن والمغرب في مختلف المجالات - إنما هي استمرار لعقد الوفاء والإخلاص بين القمة والقاعدة، وترجمة ملموسة لرمزية عيد العرش. وإذا كان العرش والشعب قد كتبا معا صفحات خالدة في سفر تاريخ المغرب الحديث، فإنهما يكتبان اليوم، بالمداد ذاته، أمجاد مغرب الغد، مغرب الديموقراطية والكرامة والتضامن وتكافؤ الفرص والازدهار.
والواقع من خلال زياراتي للمغرب ومشاهداتي الاحتفالات بعيد العرش فان عيد العرش لا يعتبر عيدا وطنيا فقط بالمعنى الحديث. فهو عيد لتجديد البيعة والعهد الشامل بجلالة الملك. فإمارة المؤمنين هي خلافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم٬ ولها بعد روحي كبير.
ولعل خروج جلالته كما شاهدته في اغادير في عيد العرش لتلقي بيعة الأعيان الذين يمثلون الأمة٬ وهم الآن المنتخبون٬ وهو ممتط صهوة فرسه وفوق رأسه مظلة تشبه الشجرة التي وقعت تحتها المبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم ف البداية٬ المذكورة في قوله تعالى "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة". فهذه البيعة السياسية هي بيعة كاملة٬ فالله لم يرد أن يدبر الناس الحياة بالسياسة فقط وإنما يريدهم أن يدبروا الحياة بالسياسة التي تنفع في الدنيا وفي الآخرة. ويمكن القول ان المغرب حقق إنجازات ومكاسب هامة شملت٬ على الخصوص٬ إصلاح الحقل السياسي من خلال تطوير الآليات الديمقراطية والعمل على توفير موارد العيش للمواطنين والمواطنات بما يسهم في حل المشاكل المادية٬ علاوة على الجهود الحثيثة المبذولة لتحقيق التنمية البشرية من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مدرة للدخل٬ في سعي إلى تحقيق ما أمكن من التوازنات الاجتماعية والنمو الاقتصادي٬ ما جعل المغرب في منأى عن تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول حتى المتقدمة منها.
والواقع ان الحقل الديني ساير هذه المنجزات كما يقول وزير الاوقاف المغربي حيث إن نتيجة الاشتغال في الحقل الديني هي أنه لم تقع في المغرب عوائق لأنواع التطور والتنمية الأخرى باسم الدين. وتبين النتائج أن عددا من المشاكل والأزمات تحصنت منها المملكة بفضل ما يجري من بناء المساجد وترميمها وتأطير العلماء والأئمة وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية للقيام بالدور المنوط بهم٬ لاسيما في مجال ضبط الفتوى واعتبار من يتكلمون في الدين أصحاب آراء وليسوا مفتين. إلى جانب اتخاذ مبادرات كفيلة بالاستجابة لحاجيات الناس.تهانينا للمغرب بهذه المناسبة متمنين لجلالة الملك محمد الساس موفور الصحة والسعادة وان يظل المغرب ينعم بالامن والاستقرار. رئيس تحرير جريد سلوان الاخبارية