د.رحيل محمد غرايبة
الأزمات هي الامتحان الحقيقي للقدرات الإدارية للقيادة-أي قيادة- بكل أنواعها وأشكالها ومستوياتها، وفي كل مجالاتها قديما وحديثا، والازمات هي التي تكشف عن قدرة القائد على الاستكشاف وقدرته على النظر والتحليل، وقدرته على تحويل المقترحات والاستشارات إلى قرارات وإجراءات ومتابعات، ولا مجال لاختبار قدرات القائد ووضعها على المحك إلا من خلال مواجهة الواقع في الميدان لحظة بلحظة، وقدرته في التغلب على المحن والإشكالات التي تواجهه ، والخروج من المآزق بأقل الكلف وفي الوقت المناسب، من خلال مهارته في توظيف ما لديه من خبرات وطاقات وعقول وامكانات، وما يملك من أوراق قوة. ما ينطبق على قيادة الشعوب والدول والممالك، ينطبق على قيادة الجماعات والقوى والأحزاب والمؤسسات، حيث أن لكل مستوى من مستويات القيادة مشاكلها وأزماتها التي تتناسب مع حجمها وقوتها وتأثيرها وفاعليتها، وكلما زاد مقدار الفاعلية والتأثير، كلما قابله ما يكافئه من المعيقات والتحديات، وعلى قدر التحديات يكون حجم الفرص المتاحة والمتوقعة. القيادة في مواجهة الأزمات والمشاكل والتحديات والاستحقاقات على ثلاثة أصناف: صنف يملك خبرة واسعة وبصيرة ثاقبة وخبرة كافية تؤهله للنظر والاستشراف، وتجعله قادرا على التنبؤ ورؤية التوقعات المستقبلية، ومن ثم وضع الاحتمالات والمسارات المفترضة، وكيفية التعامل مع كل احتمال، وبعد ذلك الشروع في اتخاذ الاستعدادات المطلوبة، والقيام بالخطوات الضرورية التي تحول دون وقوع المفاجآت القاتلة، ودون التعرض للهزيمة والفشل، وعندما يأتي المستقبل يكون قد أخذ بالأسباب. صنف ثان يفوته الاستعداد المسبق، ويفتقد لبعد النظر، ولا يملك القدرة على التحليل، أو تخدعه الحاشية بالتضليل والقراءات غير الصحيحة والحسابات غير الدقيقة، فتداهمه الأزمات والمشاكل، ولكنه يعترف بالخطأ والتقصير، ويتحمل مسؤولية المواجهة بالحكمة وإعمال الذهن، من خلال استنفار ما لديه من طاقة من أجل امتصاص وقع المفاجأة، والخروج من المأزق بأقل الخسائر وأخف الأضرار. صنف ثالث يعيش في الماضي ويفتقد للنظر البعيد، ويفتقر للتحليل والتنبؤ بالأزمات ، وغير قادر على قراءة المشهد ويعيش على الوهم والمبالغات، وعندما تداهمه الأزمات والمشاكل يصاب بالذهول والعجز ، ويصاب بحالة من الإنكار وعدم الاعتراف بالخطأ ؛التي تجعله يلجأ إلى خطاب التبرير وإلقاء التهم على الآخرين، والوقوع تحت وهم الأضطهاد، والتعلق بحبل المؤامرة من أجل التغطية على العجز والضحك على ذقون الأتباع، حتى يفوته القطار، فيضطر للبحث عن الفهم المتأخر والحكمة المتأخرة بعد فوات الأوان.