الشاهد - في ظل انتشار مقاطع فيديوهات تحرض على الانتحار والعنف، وغيرها من السلوكيات الخطرة من قبل بعض مشاهير السوشيال ميديا، مؤخراً، تطرح أسئلة مشروعة حول أسباب ومحفزات هذا المحتوى؟ وما مدى تأثيره على المتابعين؟ وهل من إطار قانوني يردع ويجرم هذه الأفعال التي يشهدها العالم الافتراضي؟
وفي هذا السياق، يستشهد مدير عام هيئة الإعلام المحامي طارق أبو الراغب في معرض رده على سؤال $ حول دور محتوى السوشيال ميديا بالتحفيز على الانتحار والعنف، بفيديو يوتيوبر حاول الانتحار بشكل مباشر «لايف» أمام متابعيه، واصفاً اياه بأخطر أنواع المحتوى الذي يبث على هذه المواقع.
ويشدد على أن الانتحار بهذه الصورة مجرم وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية، بالإضافة إلى القانون الأخير الذي جرم الانتحار، والذي قوبل بالتندر من قبل البعض، إذ أنه ينطبق أيضا على هذه الحالة، مؤكداً في هذا الصدد أن هذه الحالة متابعة قانونيا في الفترة الحالية، للتبين من مدى مصداقية الرواية.
ووفق المحامي أبو الراغب فإن من يبث هكذا حدث بشكل مباشر يسعى إلى لفت الإنتباه، وجذب عدد متابعين أكبر.
ويشير إلى أن مراقبة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي هي دور وحدة الجرائم الالكترونية، ويتم ملاحقتهم بالغالب في حال تقديم شكوى، أما إذا كان الأمر يتعلق بقضية اجتماعية والأمن والسلم المجتمعي والنظام العام فيتم ملاحقته دون شكوى.
ويشدد على أنه لا يجوز للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تناول قضية الانتحار مع التبرير؛ لأن الانتحار جريمة بحق ذات الشخص ولا يجوز تبريرها، وهي آفة اجتماعية، فضلا عن أنها محرّمة دينيا، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أكد على أن المنتحر شخص استهتر بنعمته عليه وهي جسده ويعاقبه على هذا الفعل.
وفي هذا الصدد، يؤكد أبو الراغب أن هيئة الإعلام تتابع مثل هذه المسائل من ناحية رصد الرأي العام حتى تتخذ وحدة الجرائم الإلكترونية القرار، وأحيانا تضطر إلى توجيه الوحدة أو توضيح طلبات لهم بهذا الخصوص اذا وجد أن الموضوع أخذ منحنى سلبياً.
وكشف عن توجه قريب يقوم على متابعة ووضع أطر لمثل هذه الحالات التي تنتشر كثيراً، وقال إنه للأسف لا يقتصر الوقوع بخطأ تبرير الانتحار على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب، وإنما امتد إلى بعض المواقع الإخبارية المرخصة، وإظهار المنتحر وكأنه ضحية ومظلوم.
تقليد أعمى يفضي إلى التسبب بالعنف
من جهتها، تقول الأستاذة المساعدة في علم النفس الإكلينيكي الدكتورة فداء أبو الخير إن المشاهير يكونون قدوة لمتابعيهم بشكل عام، ويتخذونهم أنموذجا يحتذون به بنمط حياة معين، أو بطريقة كلامهم، أو محتواهم وغيره.
وتبين أبو الخير في حديثها لـ $ أن اليوتيوبر أو غيره من مشاهير السوشيال ميديا إذا حظي بعدد من المتابعين فإنه يكون قدوة لكثير منهم، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه إذا كان مشهور فهو حقق الشهرة بناء على محتوى معين.
وتتابع أنه إذا حصل على الشهرة وفقا لمحتواه الكوميدي، فإنه غالبا ما تتابعه فئة الشباب والمراهقين، إذ لديهم ميل إلى هذه الأمور والاهتمام بها، وإذا رأوا من يتابعونه مصاب بحالة يأس في الوقت الذي يرون وضعه مثاليا بالنسبة لهم سينعكس عليهم سلبا.
وتلفت إلى ضرورة أن يكون لدى الأبناء نماذج يقتدون بها ويقلدونها، وأن تكون إيجابية وناجحة، وتتمتع بقيم معينة تنشرها لما لها من تأثير كبير على طريقة التفكير والتوجهات لدى هذه الفئة أكبر، إذ يكون وقع كلمتهم أكبر بكثير عندما يقولها أي شخص آخر.
وتبين أنه عندما يتكلم عن محاولات انتحار أمام متابعيه أو يمثل هذه المحاولة، والتي تكررت في أكثر من بلد ومن أكثر من مشهور، ستدفع بعض المتابعين بالتفكير الى أنه إذا كانت هذه الشخصيات التي تتمتع بمستوى حياة مثالي وحرية وتحقيق الأحلام التي يطمح بها يفكرون بالانتحار، فماذا سيكون عنهم الذين يعيشون حياة بسيطة وأحلامهم صعبة المنال.
وتلفت الى أن تبرير الانتحار يشرعنه، ويقدَّم إلى المتابعين بأنه حل سريع ونهائي للانتهاء من الضغوطات بدلا من البحث عن المساعدة من قبل الآخرين، وبالتالي يصبح لدينا خلط بالأحكام والمعايير.
وقدمت أبو الخير مثالا على ذلك: انتحار فتاة من شرق آسيا ببث مباشر عبر حسابها مبررة فعلتها لأنها وحيدة، ما أسقط مشاعر سلبية على المتابعين كونهم يرونها بمكانة عالية، في المقابل هم لا يحظون بأصدقاء ومتابعين مثلها.
بحث عن الشهرة يجذب الخطر والعنف
بدوره، يؤشر خبير علم الاجتماع الدكتور مجدي الدين خمش «على مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الكبار والشباب والأطفال، إذ يبحث البعض عن الشهرة بأية طريقة، وبالتالي يمارسون نوعا من المجازفات أو التحديات لاستعراض جرأتهم ومناعتهم لاستعطاف المتابع للحصول على الانتشار والشهرة.
ويلاحظ خمش أن بعضهم يستخدم محتوى انسانيا عاطفيا لزيادة جرعة التأثير، وأحيانا محتوى دينيا، مؤشرا إلى أنه قد لا يدرك من يقوم بهذا الفعل أن تاثيره سلبي على المتابعين ونفسيتهم، لافتا في هذا السياق إلى أن الناس بحاجة إلى محتوى مبهج ويبعث على السعادة في نفوس المتابعين أو أن يثريهم بمعلومات ومعرفة.
ويستشهد خمش بفئة الأطفال بالقول «أنهم قد يصدقون مثل هذه المخاطر ويقلدونها لأن السوشيال ميديا بجانب الانتشار والتأثير تتضمن الإيحاء والذي يعد مشكلة وخطر أيضا، لأنه يحث الآخر للقيام بما يفعلوه أيضا.
ويلفت إلى وجود حالات في الوطن العربي والعالم تعرضوا لأذى نفسي وجسدي بسبب ألعاب الفيديو والتحديات وهناك منهم قد فقد حياته.
ويبين خمش أنه في هذه الحالة تكمن أهمية إقرار قانون حقوق الطفل لما يتضمنه من بنود ومواد تتعلق بحماية الطفل وخصوصياته وحمايته من المخاطر التي قد تأتي من الإنترنت والسوشيال ميديا.
ويتابع أن هذا القانون يشمل حماية المراهقين وحتى نهاية المرحلة الثانوية لأنه وفق تعريفه للطفل كل من يقل عن 18 عاما، لافتاً إلى أن أهمية القانون أيضا تكمن بأنه يخلق توعية ويقدم معلومات للجمهور ويحذر من المخاطر وهذه كلها تساهم في الوقاية.
ويحث خمش الأهالي لقراءة بنود المشروع بموضوعية ومحايدة ليكتشفوا بأنه يقدم معلومات وتحذيرات وتوعية مهمة جدا للارتقاء بطريقة التعامل مع الأطفال وتحفيزهم وإشراكهم وسماع آرائهم بغض النظر عن أعمارهم.
ويدعو الأهالي للبحث عن المعلومات بشكل مستمر وتوعية أبنائهم وحوارهم ونقل المعلومات إليهم بطريقة مناسبة، بالإضافة إلى ضرورة توعيتهم أيضا في مدارسهم، وبالتالي عندما يصلهم فيديو بأية وسيلة ويلاحظون خروجا عن المألوف فيه، ويحوي ممارسات خطرة سيتوجهون إلى أهاليهم أو معلميهم الذين سيدعمونهم نفسيا واجتماعيا وفكريا.
ويشدد خمش على أنه هذه السلوكيات وهذا المحتوى مرفوض تربوياً واجتماعياً ونوجه المؤثرين لان يقدموا محتوى إيجابيا وبناء وتقبل الرأي الآخر والتسامح دائما، ولا نريد أي محتوى سلبي وهدام ويؤثر بالأطفال سلبا ويؤثر على ثقته بنفسه، مشيرا هنا إلى دور وسائل الإعلام بالتوعية بمثل هذا النوع من القضايا.