د.رحيل محمد غرايبة
تمر الذكرى الثامنة والأربعون لهزيمة (1967م) الساحقة والمؤلمة، وقد مرت بنا قبل أيام الذكرى السابعة والستين لهزيمة (1948م)، وربما تستمر أعداد سنوات الذكريات الموجعة في تاريخنا الحديث، حيث ما زالت المؤشرات العامة التي تنطق بها أحوال الأمة على كل الأصعدة وفي كل المجالات لا تبشر بخير، ولا تعزز منسوب الأمل بالقدرة على معالجة آثار النكبات والهزائم ويبدو انها لم تستيقظ بعد لتنطلق نحو صناعة فجر جديد.
لقد استطاع دهاقنة الإعلام المسخر لخدمة أرباب الهزائم، أن يبتدعوا أسماء تخفف وقع الهزيمة على الأجيال المنكوبة، وذلك من خلال اطلاق اسم «النكسة» على هذه الهزيمة المنكرة، التي مُني بها أرباب الشعارات الرنانة والخطابات الجوفاء، من أجل تقبل وجودهم الطويل الذي سيتم توريثه لمن يتعهد بالسير على الطريق نفسها؛ الكفيلة بإدامة عوامل الهزيمة والانكسار في نفوس الأجيال المتتابعة.
الرئيس عبد الناصر المسؤول الأول عن أكبر هزيمة عربية، لم يكن مشغولاً بإعداد مصر والأمة العربية للمواجهة الحاسمة، بل كان مشغولاً بتفريغ الأمة من صناع الفكر، وبناة اليقظة الحقيقية في الأمة، ففي عام (1966) الذي سبق سنة الهزيمة بعام واحد، قد أقدم على إعدام الشهيد المفكر سيد قطب ومجموعة من إخوانه على أعواد المشانق بسبب جريمة رأي وجناية طرح فكر حر ضد الاستبداد والطغيان، وكان الرئيس نفسه قد أقدم على إعدام مجموعة قيادية أكبر في عام (1954) للأسباب نفسها.
هذه الهزيمة الساحقة لم تستطع أن تشكل صدمة للجماهير المستغفلة، ولم تستطع الأمة من محاسبة المسؤولين عن هذه الهزيمة، ولم تستطع الوقوف على الأسباب، وبقي المنهزمون على رأس هرم السلطة، ليحظوا بمزيد من الاحتفاء والتصفيق وخلع المزيد من ألقاب البطولة والتمجيد.
ثمانية وأربعون عاماً، ونحن ننتقل من عام إلى عام على جمر الانتظار لخطاب المقاومة والصمود والتصدي، وانتظار العمل السريّ الدؤوب على إعادة بناء الجيش السوري، وسلاح الجو السوري وتزويده بالسلاح الروسي من أجل الوصول إلى لحظة التوازن وتقليص فارق القوة بيننا وبين العدو، وبقيت الأمة تنتظر لحظة الرّد الحاسم واستعادة الأرض المحتلة والكرامة المهدورة، حيث لم تستطع غارات العدو الصهيوني على البقاع، وتحطيم محطات الصواريخ، ولا حتى التحليق فوق القصور الرئاسية، كافية للاستفزاز المطلوب وإخراج المخبوء، ليتفاجأ الشعب السوري وكل الشعوب العربية، أن هذه الترسانة التي جرى بناؤها مدة (45) عاماً كانت معدة للسقوط على منازل السوريين في حلب وحمص وإدلب ودرعا، وخرج سلاح الجو السوري عن صمته ليلقي البراميل المتفجرة على رؤوس الأطفال والنساء، لتتحول سوريا إلى ركام.
وليس حال المعارضة بأحسن حال من الأنظمة الرسمية وإعلامها ومنهجها، فكلها مكتفية بامتلاك القدرة على التلاعب بالألفاظ وتمجيد الفاشل والمنهزم، وممارسة خداع الذات واتقان فن تبرير الهزائم، والتغطية على العجز عن مواجهة الحقيقة المرة.
ففي حفل تأبين لاحدى الشخصيات الوطنية، ضجت القاعة بالتصفيق الحاد عندما تم إزجاء التحية والسلام لحماة الديار في سوريا، على هذا الإنجاز الثوري التقدمي المعجز ، الذي استطاع إيصال سوريا إلى هذا الحال، مما يدل دلالة واضحة أن النكبة مستمرة والهزيمة مستمرة لأن أسباب النكبة وعوامل الهزيمة ما زالت فاعلة وتؤتي أكلها.