تنفيذها يتطلب تشاركية وجهدا جماعيا
الشاهد - فوزي حسونة
تعاني كرة القدم الأردنية مما يسمى بالشغب اللفظي في الملاعب، ويُعرف بأنه مجموعة الأنماط السلوكية الإنفعالية الصادرة عن المشجع أو الجمهور وهي سلوكيات تخالف التعليمات التي يتوجب اتباعها والإلتزام بها.
ولأن كرة القدم اللعبة الأكثر جماهيرية وأهمية لشعوب الأرض فإنها تمتاز عن غيرها من الرياضات بقوة وعنفوان أجوائها التنافسية، وهذا التنافس مهما كان شريفاً فإن بعض المشجعين قد يخرجون عن طورهم ولا يتمالكون أنفسهم (فتفلت) أعصابهم لسبب ما يدفعهم للتفوه بكلمات مسيئة تخدش الحياء العام وتعكر صفو العلاقات بين الفرق المتبارية.
والشغب اللفظي يخالف قواعد اللعب النظيف الذي تعمل الإتحادات على ترسيخه بل وتكافىء عليه مالياً بهدف تحفيز الفرق وجماهيرها على التحلي بأقصى درجات الروح الرياضية وتقبل الخسارة كما هو الفوز.
والشغب بشكل عام يتواجد في كل ملاعب كرة القدم في العالم، والسيطرة عليه تخضع لمعيار نسبي يرتبط بعديد من الظروف والظواهر والأسباب سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو غير ذلك، ولهذا يصعب القضاء عليه كلياً إلا بإيقاف النشاط الرياضي وهو حل لا يمكن أن يتحقق، لكن يمكن ايجاد الوسائل والحلول التي قد تحدُ منه بمقدار كبير.
وبما أن كرة القدم الأردنية تعاني من الشغب اللفظي، فإن جميع المعنيين باللعبة أصبحت تقع عليهم المسؤولية الكاملة للحد من وطأة هذه الظاهرة المؤرقة، بل أن التخلي عن هذه المسؤولية وركنها بحسب ما هو سائر بملعب الأندية فقط هو حل غير مجد كون العقوبات المالية المتواصلة التي فرضت على الأندية الأردنية بسبب تصرفات جماهيرها لم تكن رادعة بدليل استمرار تكرارها على امتداد المواسم الكروية الماضية، مما يعني بأن الحد من هذه الظاهرة لا يتحقق إلا من خلال التشاركية والعمل الجماعي ورسم استراتيجية شاملة لا توضع (فوق الرف) بعد حين، وإنما المطلوب تطبيقها على أرض الواقع وبأسرع وقت ممكن، والتذكير دائماً بأن جماهير الفرق هي جماهير المنتخبات الوطنية التي تهتف بصوت واحد وتقف خلف منتخباتها بلقب واحد.
وصحيح أن الشغب اللفظي قد يعتبر أقل أنواع الشغب في الملاعب، لكن الشغب اللفظي يعني أيضاً استخدام القوة اللفظية الجارحة التي قد تؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة ، والخطورة تكمن بردة الفعل، فهو أشبه بالقنبلة الموقوته - إن صح التعبير-.
نقولها بصراحة على المعنيين أن يكفّوا أيضاً عن الإستعمال المتكرر لمصطلح (الفئة المندسة) فهو مصطلح أصبح بلا معنى نستخدمه في حال عجزنا عن الوصول للحلول أو تشخيص العلة أو تحديد الأسباب أو للتهرب من ذكر الحقائق، حيث لم يتم حتى اللحظة تحديد هوية الفئة المندسة ولم يتم السيطرة عليها، وبالتالي فإن هذا المصطلح فرغ من معناه وأصبح مصطلحاً خيالياً لا وجود له على أرض الواقع، وإستخدامه من جديد هو أشبه (بضحك على الذقون).
وهناك الكثير من الحلول التي من الممكن أن تساعد الإتحاد الأردني للقضاء على هذه الظاهرة المؤرقة، لكن يجب التأكيد أن هذه الحلول قد تقضي على الظاهرة بشكل نسبي وبحسب الجهود المبذولة ومقدار الجدية في تطبيقها، ونجملها ب 12 نقطة هي:
توعية الجماهير
لم نر أو نسمع بأن ناديا كرويا في الأردن قد عكف على عقد ندوة توعوية لجماهيره تتضمن التعريف بالتعليمات الصادرة عن الإتحاد الأردني قبل بداية كل موسم وهي المتعلقة بتصرفات الجماهير والعقوبات التي قد تفرض على النادي حال خروجها عن النص.
ويجب أن تشتمل هذه الندوات أيضاً على تعزيز مقدار الوعي والثقافة لدى الجمهور وتسليط الضوء على مدى الإساءة التي تلحق بالبلد والنادي في حال الخروج عن النص إلى جانب توعية الجمهور بمخاطر الشغب وانعكاساته وتعزيز ثقافة التنافس الشريف في الرياضة، وبأن كرة القدم في النهاية لا تعدو كونها لعبة ترفيهية فيها الأخطاء وفيها الخسارة كما هو الفوز .
أهمية دور الإعلام
لا أحد ينكر دور الإعلام وهو أساس النجاح في أي هدف نسعى لتحقيقه، لكن وبقمة الصراحة فإن هنالك بعض الجهات الإعلامية تعمل على إثارة عواطف المشجعين ونشر الكراهية فيما بينهم من خلال عناوين جاذبة ليس لها علاقة بالمضمون وتهدف للحصول على أعلى القراءات والتعليقات من خلال زيادة المشاحنات بين الجماهير، وهي وسيلة تتناقض مع الرسالة النبيلة التي وجد من أجلها الإعلام.
ولذلك يتوجب على الإعلام الواعي والمهني والصادق أن يقوم بدوره الذي وجد لأجله ويتجنب الخروج عن النص وذلك من خلال العمل على إرسال ثقافة التشجيع المثالي ونبذ التعصب والعنف وتسليط الضوء على السلوكيات الإيجابية لا أن يقتصر دوره على الإصطياد بالماء العكر.
إشهار لجنة استشارية أمنية
يحبذ أن يشكل الإتحاد الأردني لجنة استشارية أمنية يكون دورها قائم على دراسة ظروف وملابسات أي مباراة والتوقع بما قد يحدث مسبقاً.
الجوائز التشجيعية
يتوجب تخصيص جوائز بعد كل مباراة جماهيرية للجمهور الأفضل بحيث تمنح لمن يمثلها بعد نهاية المباراة مباشرة، إلى جانب العمل على توفير الخدمات المناسبة للجمهور من مأكل ومشرب وتسهيل عملية دخوله وخروجه بكل سلاسة وبما لا يشكل أي مضايقة قد تنعكس على سلباً على سلوكيات الجماهير في المدرجات.
ولا نغفل عن ضرورة العمل على توفير أجواء تنظيمية ملائمة لكل ما يتعلق بالمباراة، ولا مانع أيضاً من تخصيص فقرات جاذبة ومشوقة للجماهير بين الشوطين توضح بطريقة ما مفاهيم التسامح والسلام والمحبة وضرورة التحلي بها.
جوائز للعب النظيف
القيام بتخصيص جوائز مالية وتشجيعية للفريق المثالي بعد انتهاء المباراة مباشرة وعدم الإكتفاء بتخصيص الجائزة لما بعد نهاية الموسم، ومنح اللاعب جائزة مالية بعد نهاية المباراة في حال ساهم في ترسيخ الروح الرياضية بمشهد جميل وجاذب بحيث يتم تخصيص لجنة لرصد هذه المشاهد وكذلك الأمر ينسحب على حكام المباريات الذين يتوجب تقديرهم وتعزيزهم وبما ينعكس بالإيجاب على مستوى حكام كرة القدم الأردنية، لأن القرارات السليمة للحكام تعني هدوء المدرجات.
عقوبات صادرة من الأندية
على الأندية أن تقوم بمعاقبة لاعبيها مالياً حال خروجهم عن النص وعدم الإكتفاء بعقوبة الإتحاد الأردني، ومن الممكن أن تشكل هذه الخطوة رادعاً إضافياً للاعبين يعزز من مقدار تجسيد شعار الروح الرياضية والتنافس الشريف بين أركان اللعبة.
اجتماعات دورية
على أركان اللعبة أن تعقد اجتماعات دورية شهرية -مثلاً- يتخللها مناقشة كافة المستجدات التي قد تؤدي إلى شحن الجماهير بطرق سلبية وبحيث تخرج هذه الإجتماعات بتوصيات يتم تطبيقها للحد من جميع الظواهر التي قد تقود إلى تأجيج هذه ظاهرة الشغب، ويجب عدم حصر هذه الإجتماعات بالإجتماعات التنسيقية التي تسبق المباريات المهمة فقط وبخاصة أن ما تحمله هذه الإجتماعات من نقاط وبعد التجربة لم تكن سوى (حبراً على ورق).
إشهار روابط المشجعين للأندية
وتعتبر من النقاط المهمة، فمتابعة الأندية لجماهيرها وتخصيص بطاقات خاصة لها تصدر عن النادي يجعل الأندية أدرى بمشجعيها وتعزز العلاقة فيما بينهما وتؤدي إلى تحديد الخلل الذي يجعل البعض منها يخرج عن النص بهتافاته وسلوكياته مما يعين الأندية على تحديد هوية المشجعين الذين يخرجون عن النص.
تركيب كاميرات مراقبة بالمدرجات
وهي من الحلول التي يسعى الإتحاد الأردني إلى تطبيقها فعلاً بالتعاون مع الجهات أصحاب العلاقة، بحيث يتم من خلالها معرفة الشخص الذي يقود الجماهير لكيل الشتائم ويتم إلحاق أشد العقوبات بصاحبها بل ومنعه من التواجد بالمدرجات مدى الحياة إن تطلب الأمر ذلك.
المجلس الأعلى للشباب
بما أن الأردن دولة فتية، فعلى المجلس الأعلى للشباب أن يقوم بتنظيم دورات ومحاضرات على امتداد عام كامل حول توعية الشباب بمخاطر الشغب وإرساء ثقافة التشجيع المثالي والتسامح وبما ينعكس حاضراً ومستقبلاً بالإيجاب على سلوكيات الجماهير الأردنية.
مباريات ودية
أن يقوم الإتحاد الأردني بتنظيم مباريات ودية بين الأندية الأكثر تنافساً على الألقاب تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجماهير واللاعبين ومجالس الإدارات وبذلك رسالة للجماهير تكشف لها عن عمق العلاقة التي تربط الناديين أو الأندية المتنافسة وبما يخفف من حدة الشحن والتعصب بين الجماهير، وعلى جماهير الفرق أن تتذكر دائماً بأنها هي جماهير المنتخبات الوطنية في النهاية وهي التي تهتف بصوت واحد لها.
الإستفادة من تجارب الآخرين
كرة القدم بلا جمهور يعني أنها بلا نكهة، ويمكن الإستفادة من تجارب الآخرين، فمثلاً يمكن الإستعانة بالتجربة التركية.
والتجربة التركية تتمثل بالسماح للنساء والأطفال دون 12 سنة لحضور المباريات بدون مقابل لمكافحة الشغب بشتى أنواعه وخاصة تلك المباريات التي يتقرر إقامتها بدون جمهور، فتتاح بالتالي لهذه الفئة حضور هذه المباراة بدلاً من اللعب في ملعب يخلو من الجماهير، بحيث يتحمل الإتحاد أو أي شركة راعية كلفة التذاكر ويدفع قيمتها للأندية وهي فكرة تؤدي للقضاء على الفوضى وردع الهتافات المسيئة مثلما تشكل رادعاً للجماهير المسيئة بأن قرار اقامة أي مباراة بدون جمهور لن يكون قراراً يصعب اتخاذه أكثر من مرة في الموسم الواحد، وهو قرار أيضاً قد يعيد العائلات لمدرجات الكرة الأردنية تدريجياً في وقت يتأهب فيه الأردن لإستضافة مونديال السيدات العام المقبل.