الشاهد - مع نهاية الحرب العالمية الأولى، اضطرت ألمانيا، الملقبة حينها بجمهورية فيمار، لتحمل ويلات معاهدة فرساي التي أجبرتها على التخلي عن جانب هام من سلاحها وجيشها وتقديم تعويضات خيالية بلغت قيمتها 132 مليار مارك ذهبي للدول المنتصرة. وبناء على ذلك، تجاوزت قيمة هذه التعويضات قيمة الناتج القومي الألماني حينها والذي قدّر ببضعة مليارات مارك ذهبي.
وبسبب ذلك، غاصت ألمانيا خلال السنوات التالية في أزمة اقتصادية تجسدت أساسا من خلال التضخم الجامح الذي بلغ أرقاما قياسية ما بين عامي 1922 و1923.
أسباب الأزمة
وتعود أسباب هذه الأزمة المالية للحرب العالمية الأولى. فخلال تلك الفترة، تخلى القيصر الألماني فيلهلم الثاني عن قاعدة الذهب، التي اعتمد بها الذهب كقاعدة لتحديد قيمة العملة الورقية، لتحمل نفقات الحرب. ومن خلال ذلك، آمن القيصر الألماني بإمكانية انتعاش اقتصاد بلاده في حال انتصار ألمانيا بالحرب العالمية الأولى وفرض تعويضات مالية كبيرة على كل من فرنسا وبريطانيا والإمبراطورية الروسية تزامنا مع هيمنة الجيش الألماني على المناطق الصناعية الفرنسية.
ومع خسارتها الحرب العالمية الأولى، وجدت ألمانيا نفسها أمام ديون جديدة بلغت قيمتها 132 مليار مارك ذهبي حسب بنود معاهدة فرساي. وبسبب ذلك غاصت جمهورية فيمار بأزمة مالية اتجهت خلالها للاعتماد على المارك الورقي الذي طبعت منه كميات كبيرة تم ضخّها بالسوق دون وجود موارد اقتصادية لدعمها. وأواخر العام 1919، تراجعت قيمة المارك الألماني مقارنة بالدولار حيث احتاج الألمان لنحو 48 مارك ورقي لشراء دولار أميركي واحد.
وخلال شهر حزيران/يونيو 1921، قدمت ألمانيا أول قسط من التعويضات للمنتصرين. وبسبب ذلك، انهار المارك الألماني أمام الدولار حيث تراجعت قيمته لتعادل 330 مارك مقابل دولار واحد. من ناحية أخرى، أجبر الألمان، بسبب انهيار عملتهم، على دفع التعويضات بالعملة الصعبة. ولمعالجة هذه الأزمة، لجأت ألمانيا لإنفاق كميات هائلة من الماركات الورقية لشراء العملات الأجنبية.
وأملا في معالجة هذه الأزمة المالية بألمانيا، انعقدت العديد من المؤتمرات الدولية التي لم تسفر عن أي نتيجة تذكر. وبحلول أواخر العام 1922، عادل دولار أميركي واحد 7400 مارك ورقي ألماني. فضلا عن ذلك، تضاعف مؤشر تكلفة الحياة بألمانيا 17 مرة مقارنة بما كان عليه منتصف العام 1922.
وبناء على تقارير تلك الفترة، لجأت ألمانيا لطباعة الأوراق النقدية متسببة في إغراق السوق بالمارك الألماني الذي أصبح بدون قيمة وغير قادر على شراء مزيد من العملات الأجنبية. ومع فشلها في مواصلة دفع التعويضات نقدا، أجبرت ألمانيا على إرسال كميات كبيرة من مواردها الطبيعية، كالفحم والحديد، للدول المنتصرة، كفرنسا، لسداد ما عليها ودعت عمالها للإضراب بمنطقة الرور (Ruhr) الصناعية التي احتلها الفرنسيون والبلجيكيون.
مظاهر التضخم
وخلال العام 1923، واجهت ألمانيا نسبة تضخم غير مسبوقة بتاريخها. فخلال أواخر العام 1922، قدرت قيمة الخبز بحوالي 160 مارك. وأواخر العام 1923، ارتفعت قيمة هذه المادة الغذائية الأساسية لتبلغ 200 مليون مارك. فضلا عن ذلك، بلغ سعر شراء الدولار الأميركي أكثر من 4 تريليونات مارك.
وبناء على تقارير تلك الفترة، أصبح الورق الذي طبع عليه المارك أغلى من قيمة المارك نفسه، كما كانت هذه الأوراق النقدية ملقاة بالشوارع وتحدّث آخرون عن استخدامها كورق حمام من قبل بعض الألمان بسبب تدهور قيمتها. وأمام هذا الوضع، تقاضى العمال أجورهم مرتين باليوم، ولجأت المطاعم لتغيير أسعار الوجبات الغذائية كل ساعة. أيضا، سجلت ألمانيا ظهور عملات ورقية جديدة تجاوزت قيمة بعضها 500 مليون مارك.
وأواخر العام 1923، نجحت ألمانيا في مكافحة هذا التضخم الهائل من خلال سياسة إنقاذ اعتمدت أثناءها على عملة جديدة. فضلا عن ذلك، وافق عدد من الأطراف الأوروبية على تقليص قيمة تعويضات الحرب العالمية الأولى، كما تدفقت بعض الأموال على الخزانة الألمانية بفضل القروض الأميركية واعتماد سياسة خارجية جديدة تم من خلالها التطبيع مع فرنسا والتحقت على إثرها ألمانيا بعصبة الأمم.
إلى ذلك، لم تدم هذه الانتعاشة طويلا حيث عاشت البلاد على وقع انتكاسة جديدة أواخر العشرينيات تزامنا مع بداية أزمة الكساد العظيم عام 1929 التي ساهمت في رفع نسبة البطالة بألمانيا لأرقام قياسية.