بلال حسن التل
تكثر في هذه الأيام الإعلانات عن الأضاحي والتبرع بها،وهي إعلانات تذكرنا أولا بأن عمل الخير في بلدنا صار موسميا،، كما صار عند البعض وسيلة من وسائل الرياء الاجتماعي، والتهرب الضريبي، وهذه كلها جزء من جملة اختلالات أصابت مفهوم العمل الخيري في بلدنا، أبرزها مفهوم الشرعية الدينية للعمل الخيري،وهي شرعية تأخذ مسارين الأول إلزامي مفروض، حيث يفرض الإسلام حقا معلوم للسائل والمحروم في أموال الأغنياء،وأبرز الحقوق المعلومة في مال الأغنياء هو الزكاة وهي فريضة،على ولي الأمر تحصيلها، وإنفاقها بوجوهها الشرعية المحددة، لذلك قاتل خليفة رسولَ الله أبو بكر الصديق مانعي الزكاة، باعتبارها ركنا من آركان الإسلام، وحقا من حقوق المجتمع في أموال الأغنياء من أفراده.
أما المسار الشرعي الثاني للعمل الخيري فهو تطوعي حث الإسلام كثيرا،سواء بالآيات القرآنية، أو بالأحاديث النبوية، أو باجتهادات الفقهاء،وكذلك مواعظ الدعاة، وكلها تربط بين الصدقات وأركان الإيمان الأخرى، وهي من أبرز طرق تزكية المال والنفس والمجتمع،وهي تزكية تبين أن الصداقات توازي الزكاة إن لم تكن أكثر منها أهمية وتأثيرا في المجتمع، ليس كحق معلوم من حقوق المجتمع على وجه العموم والمحتاجين على وجه الخصوص في أموال الأغنياء فقط، بل من حيث حجمها وتأثيرها في المجتمع وحمايته وتطويره وتحصينه،ذلك أن الزكاة نسبة محددة وقليلة من مال الغني، بينما لاسقف للصدقات،وفي تاريخ الأمة الحضاري من تبرع بثلث ماله، ومن تبرع بنصف ماله، وهناك من تبرع بماله كله.
وفي فقه الزكاة والصدقات أن هدفهما حل مشكلات المجتمع حلا جذريا،كذلك تطوير وتنمية المجتمع وتحصينه والحفاظ على تماسكه ويلمع المجتمعي، ولتحقيق هذين الهدفين ابتكر العقل الحضاري لأمتنا مفهوم الوقف، الذي لعب دورا مركزيا ومحوريا في تطوير المجتمعات وحل مشاكلها،فقد انصرف جزء كبيرا من الأوقاف لإقامة المدارس والمعاهد العلمية، وإلى إقامة المكتبات العامة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المدارس والمعاهد والمكتبات الوقفية في القدس الشريف من أهم الأدلة والبراهين على هوية المدنية العربية والإسلامية في وجه محاولات تهويدها وتزوير هويتها الحضارية.
مثلما انصرفت الأوقاف إلى المدارس والمعاهد انصرف جزء آخر كبير منها لإقامة المستشفيات، أو الطرق، وصولا إلى العناية بالحيوانات الأليفة، والملاحظة الملفتة قلة الوقفيات التي خصصت لبناء المساجد، قياسا إلى الوقفيات لبناء المنشاءات الأخرى، بعد أن ساهمت الأوقاف في حل مشكلة الفقر حلا جذريا بصورة مؤسسية،حتى صار الوالي يبحت عن مستحق الزكاة أو الصدقة فلا يجدهما، بفضل حسن تنظيم الزكاة والصدقة، ومأسستهما.
وهي تجربة حضارية أعتقد أن مجتمعنا الأردني على وجه الخصوص صار شديد الحاجة لاستلهامها وتجديدها في حياته، من خلال توجيه ملايين الدنانير التي تصرف سنويا على طرود الخير وتأمين حلول جزئية آنية طارئة لمشكلة الغذاء، توجيه هذه الملايين لتقديم حلول جذرية لمشاكل مجتمعنا، من ذلك على سبيل المثال بناء المدارس حيث يعاني مجتمعنا من نقص حاد في المباني المدرسية المناسبة، مثلما تعاني الكثير من مناطق بلدنا من نقص العيادات الصحية أو المعدات الطبية، مثلما يحتاج مجتمعنا إلى الكثير من المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل الكثير من العائلات خانة المعالة إلى خانة المعيلة، كما أن مجتمعنا يحتاج إلى الكثير من المبادرات التي تحصنه من ثقافة الكراهية، وتحمي تماسكة الاجتماعي، وكلها أهداف يمكن للعمل الخيري ان يساهم بتحقيقها إن احسنا توجيههه ومأسسته.