الشاهد - بلال حسن التل
أكثر من مرة قلنا إن بلدنا يتعرض لحرب شرسة وخبيثة وخطيرة، رغم أنها حرب لا تسفك الدماء، لكنها تفعل ما هو أخطر من ذلك، عندما تخطف العقول وتعطلها أو توظفها ضد وطنها، وهنا مصدر خطرها، لأنه أول ما تؤخذ الشعوب من عقول أبنائها، وهو أخذ يحول الكثيرين منهم إلى أعداء لأوطانهم، أو أدوات لهؤلاء الأعداء، عن دراية منهم بذلك أو عن جهل، فيتحولون إلى معاول هدم لأوطانهم، يطعنونها في ظهرها، عندما ينشرون فيها الإحباط واليأس، والسوداوية، وروح الهزيمة والاستسلام، سلاحهم في ذلك التشكيك بكل شيء، وهز الثقة بكل ما هو وطني، وهذا هو جوهر الجيل الرابع من الحروب، الذي ازدهر خلال العقود الأخيرة، ونشط في قتل الشعوب وتدمير الدول بأيدي بعض أبنائها، سلاحهم في ذلك الإشاعة التي تشكك بكل جهد وطني، ومن ثم هدم الثقة بكل مؤسسات الوطن.
الجيل الرابع من الحروب هو الذي يتعرض له بلدنا بشراسة، من خلال استهداف دعامات أمنه واستقراره على وجه الخصوص وهو ما يفسر لنا التلميح الدائم لأجهزتنا الامنية، خاصة عندما زاد في السنوات الأخيرة، استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي، التي ساعدت على إقامة آلاف الغرف السوداء التي توظف ضد الأردن، وتنشط خاصة عند كل خطوة يتخذها الأردن من شأنها تعزيز استقلاله، وترسيخ قراره الوطني المستقل، وتحقيق هدفه بالاعتماد على الذات.
لقد حققت هذه الحرب الإلكترونية ضد بلدنا للاسف نتائج صرنا نلمسها على أرض الواقع، ونتحدث عنها عبر منابر الإعلام وسائر المنابر الأخرى، فما من يوم إلا ونسمع فيه تشكيكا بقرار أو خطوة أو مؤسسة من مؤسسات الوطن، ولكننا ما كنا نتصور أن يصل التشكيك إلى قواتنا المسلحة، قرة عين الأردنيين ومحل اتفاقهم الجامع المانع، وآخر ذلك هذا النعيق والنباح المسعور على قرار قواتنا المسلحة زراعة آلاف الدونمات من اراضي الوطن، بمحصولات يحتاج إليها الأردنيون، وفوق ذلك فإنها خطوة تعزز اعتمادنا على ذاتنا، وتعزز أمننا الغذائي، وهو دور تتقدم قواتنا المسلحة للقيام به بعد أن تقاعس رأس المال العامل في بلدنا عن القيام به.
لقد عودتنا قواتنا المسلحة على امتداد مئة عام هي عمر دولتنا على أن تتقدم عندما يحجم الآخرون حتى لا يؤخذ الوطن على حين غرة، وها هي الآن تتقدم لتساهم بتحقيق امننا الغذائى، وهدف الاعتماد على الذات، وهي بذلك ترسخ شعارها يد تبني ويد تحمل السلاح، فعبر المئوية الأولى من عمر دولتنا كان لقواتنا المسلحة دور تنموي مميز، قطف كل الاردنيين ثماره، عبر مدارسها التي انتشرت في كل ربوع الوطن، بما في ذلك أعماق البادية، فمن هذه المدارس تخرج آلاف أصحاب العقول والكفايات الذين ساهموا في بناء الدولة في مختلف المجالات، ناهيك عن آلاف المبتعثين على نفقة القوات المسلحة إلى أعرق الجامعات في العالم والذين ساهموا أيضاً بتنمية بلدنا، ولا ننسى قبل ذلك دور قواتنا المسلحة بتوطين أهلنا من البدو وتنمية مناطقهم، أما دور قواتنا المسلحة في التنمية الصحية فحدث عنه ولا حرج، ويكفي هنا الإشارة إلى مدينة الحسين الطبية، وما زال في الذاكرة دور قواتنا المسلحة المركزي في محاربة جائحة كورونا، كما لاتزال في الذاكرة الوطنية دور قواتنا المسلحة في جر مياه الشرب إلى الشمال، وكذلك دورها في شق وتعبيد الطرق، ودورها بحماية الأردنيين أثناء العواصف الجوية، أو الأحداث المؤلمة.
إن كل ما ذكرناه أعلاه هو مجرد نماذج من الجهد التنموي لقواتنا المسلحة والممتد لمئة عام، مما يلقم حجراً لكل ناعق يحاول المس بها، لأنه مس بأعرق وأطهر مؤسسة وطنية ثمثل الوجدان الوطني الأردني الحي الذي يرفض حتى التلميح بما يسيء للجيش العربي الأردني.