بلال حسن التل
تحدثت في مقال سابق عن بعض جوانب التشويه التي لحقت بمفهوم صيام شهر رمضان وأهدافه وغاياته، نتيجة لسلوكنا وتصرفاتنا التي لم ترتقِ إلى الحكمة من الصيام، بل تتعاكس معها، وفي مقال اليوم سنتحدث عن انحراف كبير في المفاهيم الحق تشوها كبيرا في مقاصد العبادات.
ومن المفاهيم التي تم تشويه مقاصدها مفهوم الزكوات والصدقات، والتي تزدهر عادة في شهر رمضان، فأول شروط هذه الصدقات التجرد وبالتالي الكتمان، إلى الدرجة التي لا تعلم بها يسراك بما تنفقه يمناك، وهذا يعني حفظ كرامة الفقير وعدم إحراجه بالمن، بعكس كل ما يجري في أيامنا هذه مما يخالف تعاليم الإسلام الحنيف، فالصدقات ممثلة بطرود الخير وموائد الرحمن تحولت إلى إعلانات تجارية يجري تصويرها ونشرها على نطاق واسع. كما صارت الطرود والموائد وسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية، كما صارت مظهراً من مظاهر الرياء الاجتماعي، الذي يحمل ?لكثير من المن والأذى الذي يلحق بالفقراء والمساكين، هذه واحدة أما الثانية فهي أن الكثير من هذه الطرود والموائد لا تصل لمن يستحقها من الفقراء والمساكين، لكنها تصل في كثير من الأحيان إلى بلطجية الذين يبيعونها بأقل من سعرها، على مسمع ومرأى ممن يقدمون هذه الطرود والموائد دون أن يكثر هؤلاء لأن هدفهم قد تحقق بالدعاية والتصوير والرياء الاجتماعي.
كل ما تقدم يدخل في تشويه مفهوم الزكوات والصدقات، غير أن التشويه الأكبر يلحق بالهدف الأساسي والرئيسي للزكوات وهو إخراج الفقير من خانة الفقر وليس مجرد العامة ليوم أو شهر، وهو أمر لا يتم ولن يتم من خلال طرود الخير وموائد الرحمن، التي تكلف سنويا ملايين الدنانير التي يمكن ان تكون أكثر جدوى وفائدة وتقربا إلى الله لو تم توظيفها لإقامة مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل للفقراء فتخرجهم من خانة الإعالة إلى خانة الإنتاج الذي يعيلهم ويعيل غيرهم، وفي هذا التحويل نساهم بتحويل شرائح واسعة من شعبنا إلى قوة منتجة، بدلا من أن ن?رسهم جموع متسولين.