د. حازم الناصر
بعد ان تحققت الاهداف الإنمائية للألفية (MDGs) والتي أجمعت دول العالم على تنفيذها بحلول العام ٢٠١٥ من خلال الإعلان العالمي للأمم المتحدة الموقع عام ٢٠٠٠، تداعت دول العالم الى ضرورة وجود خطة أكثر طموحا وتفصيلا لتحقيق عالم مستدام قادر على الاستمرار من خلال تنمية اجتماعية واقتصادية تحافظ على البيئة وتحسن مستوى معيشة السكان لأجيال قادمة طويلة الأمد دون استنزاف الموارد الطبيعية. وبناء عليه فقد تم الاتفاق من خلال قرار لاحق للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ٢٠١٥ على إطلاق خطة لتحقيق ١٧ هدفاً جديداً للتنمية المستدامة او ما يسمى بالإنجليزية (SDGs) بحيث يتم تنفيذها بحلول العام ٢٠٣٠. وبالإضافة إلى الأهداف المتعلقة بالفقر والجوع فقد ركزت الأهداف الجديدة على قضايا وقطاعات حيوية مثل التغير المناخي والمياه والبيئة والصرف الصحي والطاقة.
قد تكون منطقتنا العربية وبالأخص الأردن الأكثر حاجة والحاحاً لتحقيق هذه الأهداف في ظل معادلة صعبة ومعقدة ما بين النمو السكاني الذي شوهته زيادة مضطردة بسبب اللجوء مع ندرة بالموارد الطبيعية وعلى رأسها المياه في ظل تغير مناخي قادم وتقلبات سياسية وحروب إقليمية ساعدت بالاضرار في تحقيق اهداف التنمية المستدامة. كما ان جائحة وباء كورونا والحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا قد زادتا من تحديات تحقيق اهداف التنمية المستدامة بشكل كبير وخاصة الدول الفقيرة منها. وفي ظل المتغيرات والتحديات سابقة الذكر، يبقى السؤال الأهم، كيف لنا وللدول التي تشاركنا نفس الظروف من تحقيق هذه الأهداف؟
اردنياً، وبالنظر إلى ولوج الأمن المائي مرحلة جديدة من حيث قلة الموارد وزيادة الطلب عليها، وخاصة في أعقاب ما شهده الأردن من موجات اللجوء الأخيرة خلال الازمة السورية والتي زادت الطلب على المياه بشكل كبير إلى أن وصل الى ٢٥٪ عن المعدل العام. كل تلك التحديات تزامنت مع ضخ جائر للموارد وهبوب رياح التغير المناخي والجفاف وضعف الحاكمية الرشيدة من حيث المحافظة والسيطرة على موارد المياه من التلوث والاعتداء، الى ان أصبح شح المياه مهددا حقيقيا لسبل العيش من حيث توفير مياه الشرب وإنتاج الغذاء والاحتياجات الاقتصادية لمشاريع جديدة لمحاربة الفقر وخلق فرص عمل إضافية.
إن التحديات المائية الكبيرة التي تواجه الأردن، وهي التغير المناخي والنمو السكاني واللجوء وتزايد التحضر والبنية التحتية المجهدة، تسبب ضغطا كبيرا على ما هو متوفر من موارد متواضعة، وتحتاج مرافق المياه الحكومية إلى التكيف لتلبية المتطلبات الناشئة لبيئة ديناميكية من خلال مواصلة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك مياه الشرب اللازمة، في ظل التحديات والمتغيرات سابقة الذكر وخاصة ارتفاع كلف انتاج المياه ونقلها من مسافات بعيدة إلى مراكز السكان. وهنا تكمن الحاجة الى تفعيل وتشبيك متلازمة المياه والطاقة لإنتاج مياه جديدة واضافية بأسعار قليلة دون التأثير سلبا على المناخ، مقارنة بالمصادر التقليدية المتاحة، وبالأخص التركيز على خفض كلف انتاج الكهرباء التي تشكل جزءا كبيراً من كلف تحلية وانتاج ونقل المياه. وقد يتطلب الامر، لا بل العمل، على مأسسة تنظيم الترابط بين قطاعي المياه والطاقة من خلال هيئة تنظيم مشتركة لقطاعي المياه والطاقة.
وبالنظر الى متوسط انتاج الطاقة الشمسية في عام ٢٠١٠ والذي بلغ حوالي ٣٧ سنت أميركي/ كيلوواط ساعة وفقا لنشرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، نجد انه ومنذ ذلك الحين قد انخفضت الكلفة كل عامين إلى النصف تقريبا، إلى أن وصلت إلى أقل من ٢ سنت امريكي/كيلوواط ساعة في أحدث مشروع للطاقة الشمسية بقدرة ٨٠٠ ميجاواط في دولة قطر. وتشير الدراسات إلى أنه وبالمستقبل القريب ستصبح كلفة التوليد أقل من سنت أميركي/ كيلوواط ساعة بسبب الانخفاض المستمر لكلف الالواح الشمسية وزيادة كفاءتها.
وإذا اسقطنا المعلومات والأرقام أعلاه على قطاع المياه الأردني وبالأخص مشاريع نقل المياه من مسافات بعيدة وضخها لارتفاعات عالية مثل الناقل الوطني وغيرها من المشاريع، فان إدخال الطاقة الشمسية يجعل المياه المنتجة والمنقولة أقل من الكلف الحالية لموارد المياه المستخدمة إن لم تكن أرخص بكثير (وهو ما بدأت وزارة المياه بالعمل عليه قبل حوالي ٥ سنوات حيث أصبحت الطاقة المتجددة تشكل حاليا حوالي ١٠٪ من مجموع الاستهلاك لقطاع المياه الحكومي). إن انشاء محطات للطاقة الشمسية في منطقة الديسي والمدورة والأزرق والضليل بطاقات كبيره تصل إلى٤٠٠ ميجاواط/ساعة لتلبية احتياجات مشاريع المياه من تحلية وضخ ستوفر حوالي ٣٠٠ مليون دينار سنويا، وهو فرق كلفة الكهرباء على قطاع المياه وفق التعرفة الحالية (١١ قرشا أردنيا/ كيلوواط ساعة) والتعرفة المتوقعة من محطة الطاقة الشمسية (٢ قرش أردني/ كيلوواط ساعة). اخذين بعين الاعتبار محددات الشبكة الحالية لنقل المزيد من الطاقة الشمسية، ولكن من الممكن حل هذه الإشكالية من خلال ادخال القطاع الخاص لتمويل خطوط نقل خضراء موازية للخطوط الوطنية وتكون جزءا من مشاريع انتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو استثمار الوفر الناتج في كلف الإنتاج لأجراء ما يلزم فنياً لشبكة الكهرباء الوطنية. ومن الممكن الذهاب إلى ما هو ابعد من ذلك من خلال برمجة الربط الكهربائي مع دول الجوار (لبنان مثلا) بان تكون ساعات التوريد خلال النهار أكثر منها خلال الليل ليتاح استخدام الطاقة الشمسية بشكل أكثر كفاءة واقل كلفة.
الفرق المالي الكبير من خلال ادخال الطاقة الشمسية في مشاريع المياه الكبرى، من شأنه توفير الأموال على المواطنين والحكومة وستنعكس أسعار المياه على التنمية الاقتصادية المستدامة التي أصبحت مشاريعها في كثير من الأحيان غير منافسة للتصدير كون المدخل المائي أصبح مكلفاً ومعيقاً.
ادخال الطاقة المتجددة في قطاع المياه سيجعل مشاريع المياه أكثر استدامة وجاذبية للتمويل من الدول المانحة والمؤسسات الدولية والصندوق الأخضر للتغير المناخي، الذي رصدت له مليارات الدولارات خلال قمة غلاسكو للتغير المناخي العام الماضي، لما لهذه المشاريع من تأثير كبير على تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة وبالتالي التقليل من حدة التغير المناخي.
الطاقة المتجددة هي الوسيلة والطريقة للتخفيف من آثار التغير المناخي، لا سيما وأن زيادة موارد المياه هي من اهم الوسائل للتكيف مع التغير المناخي ولتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.