بلال حسن التل
ونحن ندخل المئوية الثانية واستفادة من المئوية الأولى، التي تقول ان الأردن عرف خلالها مؤسسات رافقت مسيرة الدولة منذ أيامها الأولى واستمرت من علامات تميزها حتى يوم الناس هذا، ويجب أن تظل كذلك في مئويتها الثانية، وفي طليعة هذه المؤسسات دائرة قاضي القضاة التي كانت مكوناً رئيسيا من مكونات الدولة، انبثقت عنها فيما بعد الكثير من الوزارات و المؤسسات مثل وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ومؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام، ودائرة الفتوى، فقد كانت دائرة قاضي القضاة تقوم بكل أعمال هذه المؤسسات وفوقها أعمال القضاء الجزائي والحقوقي، الذي كان جزءاً من عمل دائرة قاضي القضاة قبل قيام وزارة العدل وفصل القضاء الجزائي والحقوقي عن القضاء الشرعي.
رغم فصل الكثير من مهام دائرة قاضي القضاة وتأسيس وزارات ومؤسسات للقيام بتلك المهام، فما زال لدائرة قاضي القضاة اشتباك عملي كبير مع هذه الوزارات والمؤسسات التي تم استحداثها، فلا زالت دائرة قاضي القضاة مسؤولة عن تسجيل الوقفات، كذلك مازال قضاتها من أعمدة الخطابة في المساجد، كذلك الحال مع دائرة الأفتاء العام ومؤسسة إدارة وتنمة أموال الأيتام, على أن ماهو أهم من الدور المؤسسي لدائرة قاضي القضاة وموقعها في الهيكل التنظيمي للدولة، الذي كان متقدما جداً في العقود الأولى من عمرها، فأي مراجعة للإرادات الملكية السامية بتشكيل الحكومات ستقودنا إلى أن قاضي القضاة كان الرجل الثاني بعد رئيس الوزراء في تلك الحكومات، غير أن الأهم من ذلك كله أن دائرة قاضي القضاة وتأسيسها المبكر مع الأيام الأولى لقيام الدولة جعلها مكونا أساسياً من مكونات هوية الدولة والمجتمع الأردنيين، باعتبارهما دولة ومجتمعا يؤمنان بالإسلام الحنيف المتصف بالوسطية والاعتدال وقبول الآخر، والأهم من ذلك هضم علوم العصر ومفاهيمه واسلمتها، باعتبار أن الإسلام دين يصلح لكل زمان ومكان، وهو الفهم الذي حصن الأردن ضد مفاهيم الإرهاب وتنظيماته المتطرفة، وإن كان خطره لم يزول، مما يحتم علينا ايلاء المزيد من الاهتمام والتطوير لمؤسساتنا الدينية لتظل حصننا المنيع في وجه خطر التعصب الذي يقود إلى الإرهاب، وخطر التراخي الذي يقود إلى الذوبان، وهو التراخي الذي تغذيه وتنميه الكثير من المؤسسات الممولة أجنبياً لخدمة اجندات مشبوهة، مما يستدعي حماية وتحصين مؤسساتنا الدينية ضد دعوات مؤسسات التمويل الأجنبي، حماية للوطن من الخطرين كما أسلفت، علماً بأن مؤسساتنا الدينية وفي طليعتها دائرة قاضي القضاة هي أهم ركائز حماية أمننا المجتمعي، وهي أهم حراس استقراره وتماسكه، خاصة وأن دائرة قاضي القضاة تدخل في صميم تفاصيل حياتنا اليومية، فهي المؤتمنة على أنسابنا وهي أغلى ما نملك رجالاً ونساء، أخذين بعين الاعتبار أن الأسرة هي النواة الأولى والمدماك الأساس لبناء المجتمع، وهو مدماك مؤتمنة عليه دائرة قاضي القضاة، كما أنها مؤتمنة على إحقاق العدل خاصة في المواريث وفي حماية حقوق الأيتام وفي كل أحوالنا الشخصية.
خلاصة القول في هذه القضية: انه خلال المئوية الأولى من عمر الدولة كانت دائرة قاضي القضاة احدى علامات تميز الدولة الأردنية، يكفي في هذا المجال أن نقول انها كانت الشريك الرئيس في وضع قانون الأحوال الشخصية الذي نفاخر به الدنيا، وأنها الجهة المناط بها تنفيذ هذا القانون، علماً بأن للدائرة أفضالا أخرى جعلت الأردن متميزاً في مجالها، من ذلك أنها أول من عقد مؤتمراً دولياً حول القضاء الشرعي وأهميته وسبل تطويره، لهذا كله فإن المطلوب في المرحلة القادمة المزيد من الدعم لمؤسساتنا الدينية الرسمية وفي طليعتها أم هذه المؤسسات، أعني دائرة قاضي القضاة لأن في ذلك منجاة لنا من الخطرين، خطر الإرهاب وخطر الانحلال.
Bilal.tall@yahoo.com