رمضان الرواشدة
قبل أسبوع، بالتمام، لم تكن قرية أغران التابعة لمدينة شفشاون في المغرب معروفة خارج نطاقها المحلي، وبنفس الوقت، لم يكن الطفل ريان (5 أعوام) معروفاً أيضاً خارج دائرة عائلته المحلية.
فجأة أصبح سقوط الطفل ريان في بئر عميقة (35 م) وعمليات البحث والحفر المضنية لإخراجه محط أنظار العالم، إذ فور وصول الخبر للناس، انطلقت مئات المحطات الفضائية إلى القرية الصغيرة لتنقل للعالم القضية، شهقت معها أنفاس مئات الملايين من البشر من أربع جهات العالم، وتوّحدت الشعوب على مختلف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وخلافاتهم وتنوعهم الثقافي والفكري والسياسي خلف نداء ودعاء موحد بنجاة الطفل المغربي الصغير.
ورغم عدم صدور أي بيان رسمي مغربي عن الحادث، إلا بعد إخراجه من البئر، متوفياً، بدقيقتين، فإن فضائيات العالم ومواقع السوشال ميديا مثل «الفيسبوك، وتويتر، وانستغرام» وغيرها امتلأت باخباره وصوره ومحاولات إنقاذه واستطاعت أن تنقل للعالم ما يجري لحظة بلحظة.
تحوّل الطفل ريان من قضية محلية مكتومة إلى قضية رأي عام عالمي، فقد انبرى مئات المحللين من اطباء وجيولوجيين ومختصين بالحفر وعلميات الإنقاذ البشرية المشابهة على كل فضائيات العالم يقدمون النصائح للحكومة المغربية ولفرق الإنقاذ.
لم يعد بإمكان «الدولة الوطنية» في ظل «عولمة» الإعلام أن تخفي عن شعوبها الحقائق والأحداث، وكثير من الأحداث والمآسي والكوارث التي حدثت في مناطق كثيرة من العالم وصلت إلى الناس، في كل مكان، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم بها الحكومات المحلية.
لم يعد بامكان «الدولة الوطنية» أن تتعامل، كما كان الأمر في القرن الماضي، وأن تخفي ما يحدث فيها، عن شعوبها وعن العالم، فما تقوم به في لحظة معينة، ينتشر بعدها بعشرين دقيقة عبر تقنيات الأجهزة الخلوية الذكية التي جعلت أي مواطن بجهاز حديث يسجل ويصور ويبث بثّا مباشراً أيّ حدث يراه، وهنا ظهر مفهوم «المواطن الصحفي» على نطاق واسع.
ما حدث مع الطفل ريان المغربي ليس ظاهرة جديدة في العالم، ولكن هناك حكومات، في دول العالم الثالث، ما زالت غير مقتنعة بفكرة عولمة الفضاء المعلوماتي والأخبار، وما زالت تعتقد أن بإمكانها اخفاء الحقائق والمعلومات والأخبار عن شعوبها، وهو ما يدفع الناس للبحث في الإعلام البديل وعندها يصبحون نهباً للإشاعات واختلاط الأخبار الصحيحة مع المعلومات الزائفة والمضلّلة التي تمتلئ بها وسائل التواصل الاجتماعي.
إن الزمن والتاريخ لا يتوقف إطلاقاً، فالقطار سيفوت المتأخرين ولن يتوقف عن السير بسرعته الصاروخية وفي هذا الواقع فإما أن تلحق بالركب وتركب مبكراً في المقدمة–أو حتى في الدرجة السياحية- وإما لن تجد لك تذكرة سفر حتى في مخزن الأمتعة والحقائب.