حمادة فراعنة
أستغرب من الذين استغربوا، أو دُهشوا، أو إحتجوا، على قرار حزب جبهة العمل الإسلامي، استنكافهم عن المشاركة في الانتخابات البلدية ومقاطعتهم لها.
لا يوجد حزب سياسي، فهيم مدرك لمصالحه، وخدمة أتباعه ومؤيديه، يعمل على مقاطعة الانتخابات، أي انتخابات سواء كانت بلدية أو نيابية أو نقابية، إلا إذا كان مرغماً على ذلك، لأن المقاطعة ليست لصالحه، بل تساعد على عزلته، ولذلك لو توفر الحد الأدنى من الوعي وإدراك المصلحة، لما أقدم على قرار المقاطعة، فالمقاطعة تخدم خصومه، ولكن كما يقال المثل: ما الذي يدفعك على المرارة، سوى المرارة الأكثر قسوة، ولهذا يجب تفهم دوافع القرار السياسي لدى الإخوان المسلمين وحزبهم باتخاذ قرار المقاطعة!!.
المشهد السياسي السائد في بلدنا، بعد عمل "اللجنة الملكية" وخلاصتها، العمل على تشجيع النشاط الحزبي، ودعمه، لتقف الألفية الثانية على قيم التعددية، ونتائج صناديق الاقتراع، سواء في تركيبة مجلس النواب المقبل، أو مشروع الحكومات الحزبية، لا أن نضع المعيقات أمامها، سواء في انتخابات المجالس البلدية أو مجالس المحافظات أو مجلس النواب، وحينما نتحدث عن المشهد السياسي والتنوع الحزبي هذا يعني الحرص على وجود وتطوير التيارات السياسية الرئيسية الثلاثة: 1- أحزاب التيار الوطني، 2- أحزاب التيار الإسلامي، 3- أحزاب التيار اليساري والقومي، وغير ذلك عبث ووهم، والرجوع إلى الخلف.
لقد تحالفت "الدولة" مع الإخوان المسلمين طوال عهدي الحرب الباردة، والأحكام العرفية، على حساب أحزاب التيار القومي واليساري التي بقيت محظورة عشرات السنين، وها نحن ندفع الثمن بانتشار قيم المحافظة وعدم التقدم، وضعف التعددية.
صحيح أن الدولة اتكأت على القوى الاجتماعية في الريف والبادية، ولكن هؤلاء استفادوا وتنظموا وكبروا حتى بات إنتاجهم البشري من المتعلمين والمثقفين، وقادة المجتمع من الأطباء والمحامين والمهندسين وحتى رجال الأعمال، سواء تعلموا عبر المؤسسة العسكرية الأكثر مهنية أو المؤسسات المدنية، وتخرجوا من أرقى الجامعات الأجنبية بعد دراستهم الجامعية الأولى في الأردن عبر بعثات ومنح رسمية نالوا من خلالها القدرات المهنية، واكتسبوا الخبرات، وشكلت خلفياتهم الاجتماعية من أبناء الريف والبادية، فلاحين أو رعاة، حوافز قوية لأن يكونوا كما يستحقون في مواقع متقدمة لدى المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية.
نحتاج لسعة صدر، وشيوع التفهم والتفاهم بين اتجاهات متعارضة، على قاعدة الحوار، وأن تكون الدولة للجميع، وليست خصماً لطرف دون آخر، أن تكون مع التيارات الثلاثة، طالما مرجعيتها وطنية وبرامجها واقعية، وتحتكم حقاً وبشفافية في الوصول إلى مؤسسات صنع القرار عبر صناديق الاقتراع.
مقاطعة الانتخابات رسالة سياسية يجب تفمها، ومعالجتها، لا أن نفرح بها ولها، إنها خسارة للجميع وطنياً وأمنياً، وهذا ما يجب أن نفهمه ونستخلص العبر منه..