اعترف و بملء رغبتي ..ودونما سبب ؛ بأنني (زلمة) حينما أجلس للطعام فإنني (آكل بسرعة) ..ولست وحدي كذلك ..بل أحسب أن اخوتي دون الأخوات هم كذلك ..ومن لاحظتهم من أترابي و أتراب أترابي يبدو بأنهم كذلك ..!
كانت أمّي وأنا صغير دائما تقول لي : كُلْ شوي شوي ؛ ما حد لاحقك بعصاة..! كنت بعدها آكل بطيئاً قليلاً ..ولكنني سرعان ما أعود للأكل السريع تلقائياً و أتوماتيكياً دون شعور منّي ..لأن أمّي تعود وتقول لي وهي حادّة وجادّة : ولك كُل شوي شوي بلاش تزرّط..و تزرّط لمن لا يعرفها هو وقوف اللقمة في الزور ..فلا تخرج ولا تدخل ..مما يستدعي أن تقوم أمّي بضربي بيدها (المهدّة) على ظهري أو أنها تصرخ عليّ وهي مرعوبة إذا كانت بعيدة قليلاً : اشرب ميّة يلعن أبو اللي جاب أبو أمّك ..! وحين الالتفات لشرب الماء نكتشف جميعاً أن الماء مش محطوط على المائدة التي تتشكل من نوع واحد من الطعام فقط بالاضافة للخبز ..!
ونظراً لأن الماء بعيد ؛ فإن (ضربة الظهر) ماكلها ماكلها ..!
المشكلة أين ..؟ حينما أورّط وآكل عند أحد ..أكتشف أن من دعاني على الأغلب انتبه عليّ ..وإذا كانت الحواجز مكسّرة بيني وبينه فإنه يمازحني بذلك ؛ على أغلبها جملة : ارحمْ ..أو ارحمْ حالك ..!
بعد كلّ هذا العمر ..اقتنعتُ بسبب اللهط السريع الذي يحدث معي تلقائياً و يحدث مع غالبية أبناء طبقتي ..الحقيقة يا سادة ؛ إنني من أبناء الحرمان ..أبناء الحراثين ..أبناء الذين ذاقوا الأمرّين ..الذين يوم (الزفر) عندهم هو يوم الجمعة فقط ..وكنّا نتسابق مع إخوتنا كي نلهط أكثر ..كي لا يأكل أي واحد أكثر منك ..لأن الطعام على الأغلب ليس للشبع ..بل قد لايعود ثانيةً..!
نعم ..عشنا حياتنا نتسابق على الأكل دون اعلانٍ للمسابقة ..كانت مسابقة خفيّة ..من هناك ؛ من قعر الحرمان أتى الأكل السريع ..وصارت طبعاً يغلب أي تطبع ..! وصحونا بعد ذلك على أوطانٍ يأكلونها أمامنا عينك عينك و بالأكل السريع ولا يزرِّطون ..ولا أحد يقول لهم : كُلْ شوي شوي ..ما حدا لاحقك بعصاة ..! لأنه فعلاً ما حدا لاحقهم بعصاة ..والطبع فيهم غلب التطبع ؛ رغم كلّ حالات الشبع التي يبرطعون فيها ..!
كامل النصيرات