مهدي مبارك عبد الله
المراقب لواقع السياسات التي تهتم بها واشنطن يلاحظ بشكل واضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت وسلفه بنيامين نتنياهو يشكلان وجهان لعملة واحدة فعمليا كلاهما ينتميان الى اليمين المتطرف والنظرة العنصرية والفاشية الصهيونية وقد خدم ينيت جنديا في القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي مثله مثل نتانياهو الذي خدم سابقا في وحدة ( سايريت ماتكال ) التي تعدّ من قوات النخبة وقد كان بينيت يحرص دوما على وضع قلنسوته اليهودية على رأسه الأصلع وهو تلميذ لنتنياهو ولا يزال يشاطره العقيدة لكنه كان ينتقد إدارته للبلاد قبل ان يخلفه في السلطة بعد بقاءه 12 عام متواصلة في سدة الحكم حيث كان بينت جزء اصيل من حكومة نتنياهو ومنذ العام 2013 شغل خمس حقائب وزارية كان آخرها الدفاع في العام 2020 وهو أكثر تشددا في بعض الأمور من نتنياهو نفسه
ومن يتابع سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لن يجد أي اختلاف بينها بخصوص مسالة الأراضي العربيّة المحتلة بغضّ النّظر عن الحزب أو التحالفات الحزبيّة التي تشكل الحكومة فكلهم ينفذون المشروع الصهيونيّ التوسعي الذي تتجاوز مخطّطاته حدود فلسطين التاريخية التي يعتبرونها ( أرض اسرائيل ) التي وعدهم بها الرب وما الفوارق بين هذه الأحزاب الصهيونيّة إلا في التصريحات التي تأتي من باب العلاقات العامّة لتسويق سياساتهم أمام الرأي العامّ العالميّ لكنّ نتنياهو كان دائما أكثرهم وضوحا وصراحة في طرح سياساته التّوسعية ولم يأخذ أي اعتبارات للرأي العامّ العالمي
ومن المفيد التذكير هنا بأنّ حزب العمل الإسرائيليّ في أوج قوته وعنفوانه هو من بدأ الاستيطان في الأراضي العربيّة المحتلة في حرب حزيران 1967 عندما هدم حارتي الشرف والمغاربة المحاذية لحائط المسجد الأقصى وحائط البراق وبناء حي استيطاني يهودي مكانه ومواصلة مصادرة الأراضي العربيّة في محيط القدس القديمة وبقية أجزاء الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى صحراء سيناء لم تسلم هي الأخرى من الاستيطان الممنهج
ولم يسمع من رئيس الحكومة الاسرائيلية ورئيس أركان الجيش الإسرائيليّ في حرب حزيران 1967 اسحاق رابين موافقته يوما على إقامة دولة فلسطينية وأكثر ما قاله في ذلك سنقدم لهم ( أكثر من إدارة مدنية وأقل من دولة ) ومع ذلك لم ينجو من الاغتيال على يد صهيونيّ متطرف عام 1996
ورغم رحيل نتنياهو عن الحكم لا تزال سياساته العامة تحكم إسرائيل وتسيطر عليها حتى في ظل الحكومة الجديدة التي تشكلت لمعارضته والإطاحة به منذ انتخابه رئيسًا للوزراء في عام 1996 الى حين فشله في تشكيل حكومة ائتلافية في أيار الماضي ما فسح الطريق أمام بينيت ليتولى منصب رئاسة الوزراء ونتيجةً لذلك شعرت واشنطن بالارتياح الشديد وتنفست الصعداء وخاصة الحزب الديمقراطي وفيما عدا التصميم (من جانب بينيت ) على عدم التعامل مع أي شخص بطريقة خاطئة يصعب تمييز أي اختلافات جوهرية في السياسات بينه وبين نتنياهو فلا تزل ( أيديولوجية نتنياهو موجودة دون أن يكون هو موجودً ) وتعمل بكل نجاح وتفوق
أمّا بنيامين نتنياهو فقد أكد في كتابه الصادر بالإنجليزيّة عام 1994 ولم يكن وقتها شخصيّة معروفة والذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان ( مكان تحت الشّمس ) أنّ حدود اسرائيل تطل على الصحراء العربية ويقصد الجزيرة العربية وأنه سيتنازل للفلسطينيين لإقامة دولتهم شرقي النهر بعد أن وصف الأردنّ أكثر من مرة بأنه ( كيان قام في ظروف غير طبيعيّة ) وأن لا دولة ثانية بين النهر والبحر وأنّ الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من أي شبر سيطر عليه وأنّ الفلسطينيّين لن يحصلواعلى أكثر من إدارة مدنية على السكان وليس على الأرض مع تحسين ظروفهم المعيشيّة وعلى العرب أن يوافقوا على هذا إذا أرادوا السلام وقال انه إذا اجتمعت الانتلجينسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربية سيزدهر الشرق الأوسط ليكون العرب مجرد ( حطّابين وسقائين ) حسب التعبير التوراتي أي مجرد عبيد يعملون بالسخرة عند اليهود
بينيت المولود في 25 آذار 1972 لأبوين مهاجرين من الولايات المتحدة بدأ مشواره السياسي كحليف مقرب من نتنياهو حيث عمل معه كمستشار وكبير مساعديه ومدير لمكتبه قبل أن يختلفا معًا في عام 2008 ويصبح رئيس مجلس الاستيطان في يهودا والسامرة ( الاسم التوراتي للضفة الغربية المحتلّة ) وغزة وقد حافظ بينيت في سياسته العامة على تقديم رؤية عالمية تركز على أن قوة إسرائيل العسكرية وتطورها الاقتصادي وبراعتها التكنولوجية ستمكنها في المستقبل من أن تكون جزء لا يتجزأ من المنطقة بالشراكة مع دول عربية رائدة مثل مصر والإمارات والمغرب والمملكة العربية السعودية في الوقت المناسب ويعني هذا الأمر عمليًا ترسيخ اتفاقيات إبراهام وتوسيعها لمزيد من التطبيع والعلاقات الإسرائيلية مع العديد من الدول العربية
في المقابل عندما يتعلق الأمر بإيران يعارض بينيت الاتفاق النووي وكذلك يناهض تصميم إدارة بايدن على التفاوض مع الإيرانيين لإبرام اتفاقية أقوى تستمر لوقت طويل وفي ذات الوقت يرفض إقامة دولة فلسطينية ووقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية ويعد بينيت من أنصار السلام الاقتصادي بوصفه حلًا نهائيًّا للمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية وهذه مواقف اعتيادية ومألوفة لا تختلف عن سياسات نتنياهو في شيء
وفي غير مرة صرح بينيت بأن مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية غير مطروحة للنقاش متماشيًا مع سياسة الحكومات الإسرائيلية السابقة ومنها تلك التي كانت بزعامة نتنياهو وهذا لا يعد مختلفًا عن سياسات نتنياهو كما قد يبدو لوسائل الإعلام والمحللون السياسيون الإسرائيليون لان نتنياهو كذلك لم يلجأ للإعلان عن إمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية إلا عندما تعرض لمزيد من المشكلات القانونية واقتضى الأمر مغازلة دعاة الضم الإسرائيليين لتعزيز موقفه الضعيف بين شركائه في الائتلاف والشخصيات الطموحة داخل حزبه وكان الامر مجرد حيلة سياسية وأن الضم لن يحدث
على الرغم من أن جدول أعمال بينيت هو في الأساس نفس جدول أعمال نتنياهو والذي يتعارض مع السياسة الأمريكية فقد أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه الشديد والمتحمس لرئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة وأكَّد له من جديد على الشراكة الراسخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل رغم ان بينيت يعارض سياسة بايدن المميزة في الشرق الأوسط بقدر ما كان يعارضها نتنياهو لكنه صمم على أن يتعامل معها بمزيد من الطابع الودي وفي زيارته الاخيرة لواشنطن قدَّم أجندة نتنياهو نفسها ولكن بأسلوب بعيد عن التشنيع أو العجرفة التي طوَقت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى العقد الماضي ولا يختلف بينيت في الواقع كثيرًا عن نتنياهو في الرأي بشأن الفلسطينيين وقضايا المنطقة وهو ما يتنافى مع السياسة الأمريكية المعلنة ومع ذلك يبدي بينيت استعداده لتقديم عروض مرضية للسلطة الفلسطينية
خلال لقاءه مؤخرا مع قادة الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة صرح بينيت بكل وقاحة وصفاقة وعنجهية بأنه لن يلتقي الرئيس محمود عباس إلى أن تتراجع قيادة السلطة الفلسطينية عن شكواها إلى الجنائية الدولية في لاهاي وأن حكومته سوف تستمر في توسيع الاستيطان وأن لا مفاوضات سياسية مع القيادة الفلسطينية ولا قيام لدولة فلسطينية ما دامت حكومته على قيد الحياة وقد سبقتها تصريحات وزير خارجيته يائير لابيد المماثلة وهو ما يؤكد أن حكومة إسرائيل في صيغتها الجديدة لا تختلف في أبعادها الاستراتيجية عن حكومة نتنياهو وتحالفاته مع أقصى اليمين وأن الحديث عن إطلاق عملية سياسية للوصول إلى حل الدولتين ما هو إلا عبث سياسي وأوهام تنفيها الوقائع
أما بينيت المليونير ورجل الأعمال السابق ورئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي البقاقي في السلطة حتى أيلول من عام 2023 ضمن اتفاق تقاسم السلطة في مجمل تصوراته وطروحاته لم يخرج عن سياسة نتنياهو فهو يقدم حلولا اقتصادية لقطاع غزّة بشروط بعد أن صرح أكثر من مرة بأنه لن تقوم دولة فلسطينيّة في عهد حكومته وشريكه لابيد وزير خارجيته وأنّ حكومته ستواصل الاستيطان أي أنه يريد تكريس الاحتلال ومواصلة مصادرة الأراضي العربيّة والاستيطان ولا يعترف بوجود أراضي محتلة يتوجب عليه الانسحاب منها فهذه أرض اسرائيل التي وعدهم بها الرب وأيّ مقاومة لوجودهم هي ارهاب ولذلك يواصل اطلاق أيدي قطعان المستوطنين ليستولوا على أراض جديدة وليقتلوا وليدمروا وليقطعوا الأشجار وليحرقوا المزروعات وليواصلوا انتهاك حرمات المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل بحماية الجيش الإسرائيليّ
يذكران بينيت في 2012 صعد إلى قمة حزب البيت اليهودي بعد أن قدم خطاباً متطرفاً وأدلى بسلسلة تصريحات عنصرية كريهة ضد الفلسطينيين حيث بات يعد من أشدّ المعارضين لقيام دولة فلسطينية ويعتبر وجودها ( كارثة على إسرائيل ) وهو يؤمن بأيديولوجيا يمينية متشددة واضحة المعالم اتجاه دعم حق شعب إسرائيل في ما يسمى ( أرض إسرائيل الكبرى ) ويؤيد بناء المستوطنات وضم أراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية الكاملة ومنذ بداياته اعتمد خطابا دينيا قوميا متشددا كـ ( أول زعيم حزب يميني ديني متشدد يتولى رئاسة الحكومة في تاريخ إسرائيل ) وهو رئيس حزب يمينا المتطرف والمؤيد للاستيطان وضم أجزاءً من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل
كما ويدعم بقوة بالرد العسكري القاسي على المقاومة الفلسطينية وسياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين كهدم بيوت منفذي العمليات كما يقف ضد تحرير الأسرى الفلسطينيين وصفقات التبادل ففي عام 2013 قال إنه يجب قتل من أسماهم المخربين الفلسطينيين لا إطلاق سراحهم وكان يتفاخر بقوله قتلت الكثير من العرب ولا يوجد في ذلك أية مشكلة وقال ايضا إن الضفة الغربية ليست تحت الاحتلال لأنه لم تكن هنا دولة فلسطينية اصلا وفي عام 2018 قال لن أعطي سنتمترا آخر للعرب يجب أن نتخلى تماما عن فكرة أن العالم سيحبنا إذا أعطيناهم المزيد من الأرض
من جانب اخر لنعلم جيدا ان محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل استرضاء الفلسطينيين بما يسمى إجراءات بناء الثقة والإنفراجات الاقتصادية التي لا تنهي الاحتلال ولا توفر الحرية والكرامة ما هي إلا لعبة خبيثة هدفها الهاء الفلسطينيين وتبيض صفحة الاحتلال الملطخة يداه بدم الشعب الفلسطيني تماما كما كانت اتّفاقات أوسلو الموقّعة في 13 / 9 / 1993 محاولة ناجحة من اسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيليّة لتفريغ منظّمة التّحرير وفصائلها من مضمونها المقاوم وتحويلها الى عناصر امنية تحمي كيان وسطوة الاحتلال
ختاما نقول بدل الاستغراق الطويل في البحث عن حلول جزئية للاحتلال الإسرائيلي يتوجب العمل على وقف الاستيطان وانهاء الاعتداءات اليومية على الفلسطينيين في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ووضع حد للاعتقالات الفردية والجماعية وإزالة الحواجز وإطلاق سراح الأسرى والموقوفين إدارياً من النساء والأطفال والشيوخ وبدون ذلك سيبقى الرهان على تغير الحكومات الاسرائيلية وملهات التفاوض تتدحرج من فشل الى اخر مع عدم الفهم ان الزعماء الاسرائيليون الذين لديهم عقيدة صهيونية اجرامية وعنصرية واحدة لا تتغير بتغيير الاشخاص
mahdimubarak@gmail.com