حمادة فراعنة
عاملان أساسيان جوهريان صنعا المستعمرة الإسرائيلية، أولهما مبادرة الحركة الصهيونية نفسها بدأت بدعوة ثيودور هرتسل، وعقد المؤتمر الصهيوني الأول قبل نهاية القرن التاسع عشر، وثانيهما دعم الدول الاستعمارية الأوروبية المتنفذة للمشروع الصهيوني، بدءاً بوعد بلفور 1917، وتنفيذ سلسلة الإجراءات والهجرات الأجنبية المتتالية إلى فلسطين عبر تسهيلات قدمها الانتداب البريطاني حتى يوم رحيله 15/5/1948.
طبعاً هناك عامل إضافي يتمثل بالضعف الفلسطيني وغياب القيادة والبرنامج السياسي الوطني الموحد، وتواطؤ أطراف إقليمية سهلت رحيل اليهود إلى فلسطين.
لا أستذكر ذلك، تسليطاً على الحدث التاريخي، بل من أجل قراءة التاريخ والاستفادة من آثاره وتداعياته، والتدقيق بالوقائع المستجدة التي تقدم دعماً للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وانكفاء عن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
أبرزت نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية يوم 26/9/2021 ونجاح تسعة نواب عرب، بعد أن سجل الفلسطيني هشام حماد أنه الأول الذي وصل إلى المؤسسة الانتخابية الألمانية عام 1994.
وكتب رداً لي على ما كتبت بقوله:
«شكراً لك صديقي لما كتبت، التي ستشكل أرضية نقف ونبني عليها، في محاولة إيجاد دائرة يتم من خلالها تبادل الخبرات، وتنسيق الجهود بين برلمانيين في بلدان أوروبية عديدة، وأميركية شمالاً وجنوباً، تجمعهم اللغة العربية، والهجرة القسرية من أوطانهم، وإيلاء الاهتمام نحو الصعود إلى قمة هرم السلطة وإلى المشاركة في مؤسسات صنع القرار، في إحدى أقوى اقتصاديات العالم، ودينمو الاتحاد الأوروبي: ألمانيا الاتحادية».
لندقق بما يقوله هشام حماد عن ألمانيا، وما فعله وقرره حزب العمال البريطاني لصالح فلسطين وشعبها وقضيتها، لأن أوروبا وخاصة بريطانيا بقرراتها وفرنسا بأسلحتها التقليدية والنووية وألمانيا بمهجريها وتعويضاتها المالية، هي التي صنعت المستعمرة في فلسطين وشكلت لها الدعم والإسناد قبل أن تتولى الولايات المتحدة هذه المهمة.
لننتقل إلى الولايات المتحدة ونجاح نواب أميركيين مساندين للشعب الفلسطيني والنائب الفلسطينية رشيدة طليب، وبروز المجلس الفلسطيني الأميركي وقياداته: غسان بركات، حنا حنانيا، خليل برهوم، جون ضبيط، سنان شقديح، أسامة ناصر، ليكونوا مع باقي قيادات وقواعد الجالية الفلسطينية مع الجاليات العربية والإسلامية، بمثابة حائط صد ضد السياسات الأميركية الإسرائيلية، ومن أجل إعلاء مكانة فلسطين لدى المشهد الأميركي.
لم تصل فلسطين ورموزها وممثليها إلى مكانة ونفوذ ممثلي وداعمي المستعمرة، ولكنها خطوات تراكمية على الطريق، قاعدتها صمود الشعب الفلسطيني في منطقتي 48 و67، وبروز قضية اللاجئين، وتفعيل مطالبهم في العودة واستعادة الممتلكات وفق قرار الأمم المتحدة 194.
مثلما نجحت الصهيونية، بدعم البلدان الاستعمارية، تفلح فلسطين بالدعم بدءاً من قيادات العراق التي رفضت مؤتمر التطبيع المسخ، ومواقف أحزاب المغرب المعلنة، وشيوخ البحرين، ومواصلة الموقف الأردني رسمياً وشعبياً لأن يبقى رأس حربة سياسية إلى جانب فلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
تراكمات سياسية تدريجية ولكنها مؤثرة تعكس تفهم قطاعات واسعة من المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية وإدراك ولو متأخر للمستعمرة الإسرائيلية وسلوكها الاستعماري الفاشي.