د. أسعد عبد الرحمن
في الجولة الأخيرة مع دولة الاحتلال الإسرئيلي في أيار/ مايو الماضي، تأكد للقاصي والداني أن وحدة فصائل المقاومة ووحدة الميدان في المقاومة المدنية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وفلسطين 48، قادرة على تحقيق الإنجاز. ولم تتوقف المواجهة بعدئذ. ففي شمال الضفة الغربية، تواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، تحديا حقيقيا في مدينة ومخيم جِنين. وهذه القوات حين تقتحم بقية مناطق الضفة، تُواجه عادة برشقها بالحجارة من قبل الشبان، لكن في جنين ومخيمها بالذات، يطلقون الذخيرة الحية باتجاهها، وتندلع اشتباكات مسلحة. وبحسب إحصائيات فلسطينية، استشهد منذ مطلع العام الجاري (10) شبان في جنين، برصاص جيش الاحتلال. ويعرف مخيم المدينة بصلابته في مواجهة جيش الاحتلال، حيث خاض مقاوموه معركة ضارية، مع جيش الاحتلال في نيسان/ إبريل 2002، أسفرت عن استشهاد (52) فلسطينيا، وفق تقرير للأمم المتحدة في حينه، وتدمير غالبية مساكن المخيم. وشباب اليوم في جنين هم جيل الأطفال الذي عاش معركة المخيم في 2002.
المقاومة المسلحة في جنين ومخيمها تشهد تصاعدا مع كل اقتحام للاحتلال، وهو ما بدا واضحا خلال الشهور الثلاث الماضية. وقد أشار المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" (طال ليف رام) إلى أن اشتباكات مسلحة كهذه "تحولت إلى أمر اعتيادي. لا يوجد نقص في السلاح في المخيم، ويوجد فيه مئات المسلحين المنظمين غالبا في إطار (عصابات) محلية، تتماهى مع تنظيم فتح وليس مع حماس والجهاد الإسلامي. وهؤلاء الناشطون هم أسياد المخيم. وكلما تفقد السلطة سيطرتها هناك، يرتفع مستوى (العنف) واستعداد المسلحين للقتال مع قوات الجيش الإسرائيلي التي تدخل المخيم لتنفيذ اعتقالات". وأضاف (ليف رام): "ما يحدث يقلق الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، وذلك تحسبا من انتقال هذا الوضع إلى مناطق أخرى والتسبب بإعادة تصعيد التوتر الأمني، مثلما حصل خلال العدوان الأخير على غزة وربما أكثر من ذلك". ومن جهته، ينقل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" (عاموس هرئيل) عن مصادر في جيش الاحتلال: "التنظيمات المختلفة في المخيم لا تستند إلى هرمية منظمة وعلاقة أيديولوجية، وإنما تجمع ناشطين مسلحين من تيارات مختلفة. ورُصدت محاولات كثيرة للدفاع عن المخيم من ’غزوات’ عسكرية إسرائيلية وكذلك من جانب أجهزة أمن السلطة الفلسطينية. وعلى مدار فترة طويلة، السلطة لم تجرؤ على إرسال أفراد شرطة مسلحين للعمل داخل المخيم، تحسبا من استهدافهم. والوضع في جنين تصاعد مؤخرا، وعلى الأرجح أن هذا الوضع يعبر عن استمرار ضعف سيطرة السلطة في شمال الضفة".
أيضا، هناك أسباب أخرى تدفع لتحول مدينة جنين ومخيمها خاصة، لساحة مسلحة مواجهة مع الاحتلال، على رأسها عامل الاحتلال نفسه واستمرار اقتحاماته لمحافظة جنين ومخيمها تحديدا واعتقال النشطاء، فضلا عن حالة الإحباط العامة التي تسود الشارع الفلسطيني لغياب أي أفق سياسي، ناهيكم عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة وسياسات التهويد في القدس، والبناء الاستعماري/ الاستيطاني وغيرها من مقارفات الاحتلال، وكلها مؤشرات دافعة للوصول إلى الانفجار. وبعبارات أخرى، الاشتباكات المسلحة في جنين ومخيمها مع جيش الاحتلال حالة حتمية للنضال الفلسطيني. ففي أي صراع، لا بد من حلول، إما أفق سياسي أو مقاومة. وفي ظل حكومة إسرائيلية يهيمن عليها اليمين المتزمت، فإن غياب الحل السياسي يصبح بمثابة وصفة حتمية للمقاومة.