محمد حسن التل
كتبت قبل سنوات عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها واقع الخدمات في إربد، والأمر ما زال على حاله بل يتعمق، وما زالت شكوى الناس هناك تعلو وتيرتها يوما بعد يوم، واليوم أجد من واجبي أن أعيد الكتابة عن مدينتي والدفاع عنها والمطالبة بحقها..
فتلك المدينة الوادعة، التي كان أهلها يعتبرون أنفسهم يعيشون في واحة من الجمال والأمان لم تعد تلك المدينة، ولم تعد تلك العروس الجميلة، فقد شُوِّه وجهها بل هُشّم، ولم تعد تلك المدينة الآمنة يسير الراكب فيها، من أقصاها إلى أقصاها دون توتر، أو ترويع أو خدش لحياء.
تعيش اليوم حالة فوضى كبيرة، في كل شيء، وعلى كل الأصعدة والمستويات، نتيجة الإهمال الكبير الذي تمارسه معظم الإدارات، الموكول لها تصريف الأمور.
في إربد فوضى عارمة في كل الاتجاهات، وليست تلك الفوضى المعتادة في المدن الكبرى، نتيجة تزاحم الأقدام والتوسع المعتاد، بل هي اليوم تغرق في فوضى مطلقة؛ نتيجة سوء التخطيط واللامبالاة والضعف.
أبرز ما تعاني منه إربد الفوضى المرورية، فقد ضربت إربد من الأركان الأربعة، دون أن تحرك كل الجهات المسؤولة عن هذا الشأن ساكنا، وحالها يقول: «ما لجرح بميت إيلام» ولم يعد بالإمكان السيطرة عليها...
لقد نهشت هذه الفوضى إربد دون رحمة، هل يصدق أحد أنّ اربد المدينة السهلة الممتدّة أفقيا، والتي كان الواحد يقطع أي مسافة بها، مهما بعدت بأقل من عشر دقائق، أصبح اليوم أي مشوار فيها مهما كانت مسافته قصيرة، يستغرق أكثر من ساعة، وتتحول الرحلة إلى كابوس نتيجة الفوضى، التي عشعشت في طرقات المدينة الرئيسية والفرعية، نتيجة الإهمال وقصر النظر، الذي تَلبَّس معظم المسؤولين في هذه المدينة وحالة اللامبالاة منذ سنوات؟!.
أصبح غياب رجال السير، عن جميع النقاط المزدحمة في المدينة، أمرا عاديا عند الأهالي هناك، اللهمّ إلا من بعضهم حيث يتواجدون في عدد قليل من المواقع..
قد يقول قائل: إن هذه الفوضى جاءت نتيجة توسع المدينة، وتزاحم سكانها، بيد أن كل مدن الدنيا تتوسع وتزدحم عبر السنين، ولكن الإدارات الناجحة تقوم بالتخطيط المستقبلي الناجح، لمواجهة كل جديد وطارىء، ولا تكتفي بالجلوس في المكاتب، مكتفية باستقبال المراجعين، وهم عادة ما يكونون ضيوفا على أصحاب الشأن في إدارات المدينة!! وتنتهي علاقة كثير من هذه الإدارات بالمدينة مع انتهاء ساعات الدوام الرسمي!!
أمّا عن خدمات النظافة في إربد فالحديث عنها يطول، فالمدينة منذ سنوات تغرق في أكوام النفايات، ولم يعد أهلها يرون حملات نظافة يومية جدية، منذ زمن طويل، وأصبح منظر الحاويات الممتلئة بالنفايات من المناظر المعتادة في إربد.
والسؤال الذي يطرحه اليوم الجميع في إربد، ونحن معهم، لماذا كل هذا الإهمال لهذه المدينة الحزينة؟ وهل هناك إصرار على هذا الواقع أم أنه ناتج عن سوء إدارة وتخطيط فقط؟؟
إن الزائر لإربد يلحظ إلى أي مدى وصلت مشكلة البسطات في الطرق، لقد استولى أصحاب هذه البسطات على طرق بكاملها، بالقوة، وعاثوا في أسواق إربد فوضى وتخريبا، حتى لم يعد أحد من المسؤولين يتحمل الحديث في هذا الموضوع.
إربد لا يعيش سكانها بها فقط، فالمدينة تخدم ما يزيد عن مائة وخمسين قرية وأكثر ، إضافة إلى المحافظات المجاورة، حيث يكون فيها بالنهار ما يزيد عن المليون مواطن، وهذا يُشكل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية فيها والخدمات، لذلك كان الأجدر بالقيادات الإدارية المتعاقبة هناك، ألّا يظلوا ينظرون إلى الأوضاع المأساوية التي تعصف بها، من مقاعد المتفرجين، وشرفات المكاتب ، حيث كان ولا يزال لزاماً عليهم أن ينزلوا إلى الميدان، ليعاينوا الأمور عن كثب، ليستطيعوا وضع الخطط اللازمة والواجبة، لإنقاذ المدينة مما هي فيه، ويوقفوا اتساع تدهور الأوضاع بها. والملك أشار أكثر من مرة إلى أهمية ان يقود المسؤول مهما كانت مستواه الوظيفي عمله من الميدان، لأنه بذلك يستطيع أن يحكم على الواقع بنفسه، ويبادر إلى وضع الحلول للمشاكل التي تواجه المواطنين.
وفوق هذا التهشيم للمدينة وأهلها، وإنهاكهم بالمشاكل والقضايا المعقدة، تأتي مشكلة المياه وكارثة العطش، لتتصدر الأوضاع المزرية هناك، حيث معظم أحياء المدينة تعاني من انقطاع تام للمياه خلال العام، وإن جاءت تأتي ضعيفة ومتقطعة لمدة ساعة أو ساعتين لا أكثر، ولا يستفيد الناس منها إلا التلويع والحسرة..
إربد.. العروس الجميلة من شوه وجهها، وتركها تغرق في كل تناقضات الفوضى، إلا كثير من أولئك المسؤولين الضعاف، الذين لا يعتبرون المسؤولية تكليفا، بل واجهة اجتماعية ومركزا يتباهون به فقط.
هذه صورة مختصرة عن الواقع المرير الذي تعيشه المدينة الثانية في المملكة وعاصمة الشمال، التي يجب أن تحظى باهتمام كبير وعميق، ليس من المسؤولين فيها فقط، بل على مستوى كل الوزارات في العاصمة عمان، لأنها يجب أن تكون رديفا لعمان، والتخفيف عنها في ضغط المواطنين الذين يهربون من إربد إليها بحثا عن الهدوء وشيئا من النظافة، ونحن نعلم أن آلاف الشباب والعائلات من أبناء إربد يعيشون في عمان ويرفضون العودة للعيش في إربد، وذلك هروبا من كل ما ذكرنا..
وبعد.... فإنني كتبت ما كتبت أعلاه كواحد من أبناء إربد، الذين تربوا وترعرعوا وشبّوا ودرسوا في مدينتهم العزيزة، التي تواجه اليوم ومنذ سنوات إهمالاً وجحوداً كبيراً، من معظم القائمين على أمرها، ومن وزارات المركز، وحتى من قبل الكثير من ابنائها، والألم يعتصر النفس والروح كما الآلاف من أبناء هذه المدينة الصابرة، التي تنتظر الفرج علّه يكون قريباً بإذن الله تعالى، ليعود لها وجهها الجميل.