الحـــوار المســـؤول
د. محمد طالب عبيدات
العالم الإفتراضي المتمثّل في مواقع التواصل الإجتماعي والذي بات ينتمي إليه معظم الناس من خلال امتلاكهم لوسائل التكنولوجيا الحديثة المنتشرة في كل مكان لتشكّل بيئة مناسبة لضرورة الإستخدام دون حواجز إنسانية أو جغرافية أو زمنية أو مكانية، وخصوصاً مع إمتلاك معظم الناس للهواتف النقالة أو الخليوية والتي باتت محور إستخدام لنشر هذه الثقافة لغايات إستخدامات إيجابية وسلبية في ذات الوقت، هذا العالم الإفتراضي أصبح كهايد بارك وفضاء حر ومفتوح يوازي العالم الواقعي الذي نعيش لدرجة أن الأميّة التكنولوجية أصبحت مقياسا ومؤشرا أساسا لنوعية ومقدار وعي الشعوب، وباتت مسألة امتلاك الديوانيات الإلكترونية موضة العصر.
فأصبحت مواقع التواصل الإجتماعي تحوي متناقضات الأبيض والأسود بالإيجابيات والسلبيات، فأبيضها أنها تشكّل وتصوغ الرأي العام الإجتماعي والسياسي وتستخدم لتبادل المعلومة وطرح الرأي والفكر والإتجاه لأن فيها مساحة حرية دون ضوابط، وتشكّل أداة حوار مثالية من حيث حرية المساحة الفكرية والبيئة وتنوع الشخوص والآراء والتدريب لممارسة ثقافة الديمقراطية والحوار وإحترام الإختلاف والرأي الآخر وغيرها، وأسودها بالمقابل نفث السموم ودعوات الفوضى والتهديد والوعيد والمهاترات والإتهامات الجزاف وطرح الأفكار الهدامة والسلبية وتهديد الأمن والإستقرار، وفيها إنتشار الإشاعة والأخبار الكاذبة والمغالطات الدينية والفكرية والعبث بالوحدة الوطنية وزعزعت مفاهيمها وفزعت الإنترنت. وكأن مواقع التواصل الإجتماعي باتت عالم قائم بذاته مبني على عالم إفتراضي لفضاء حر مؤثر يحمل لواء التغيير والحوار على كافة الأصعدة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والدينية والتربوية وغيرها في المجتمعات كافة.
وبالطبع هنالك العديد من الآثار الجانبية لإستخدامات شبكات التواصل الإجتماعي أبرزها وقف التلاقي بين أفراد الأسرة الواحدة وخصوصاً في حال إدمان إستخدامها، وأثرها على التواصل الجسدي والنفسي، وأثرها الإيجابي على مهزوزي الشخصية والمترددين والخائفين للتعبير عن آرائهم وجاهة، وكسرت الحاجز التقليدي بين الثقافة والمثقّف والناس، وأستوعبت الطاقات الهامشية، لكنها أيضاً خلطت بين الصراحة والوقاحة إذ يفصلهما خيط رفيع، ومنعت إنتشار العديد من قضايا الفساد، وضمنت خوف المسؤول من عدم إطاء المعلومة غير الدقيقة وغيرها من الآثار الإيجابية والسلبية على السواء.
والفضاء الإفتراضي الإلكتروني الرحب هذا يحتاج لتأطير وتنظيم ولا يمكن أن يكون مفتوحاً على الغارب، وأجزم بأن الحكماء والنخب هم الضابط والمانع والمُفلتر لإنتشار فساده وفتنه وطائفيته وفئويته وغيرها، والتشريعات الناظمة من قوانين مطبوعات ونشر وإعلام وعقوبات وغيرها هي الرادع لكل مَنْ تسوّل له نفسه للعبث بأمن هذا الفضاء المفتوح، بالرغم من أن عملية الضبط والفلترة والقوننة صعبة بكل المعايير لكنني أعتبر أن الضابط الأساس هو الوازع الديني والأخلاقي والقيمي والضمير الحي للناس.
ونحتاج لتطوير آليات الحوار وأساليبه مع الآخر عبر الفضاء الإلكتروني لما لها من فوائد جم في تأليف القلوب وتقريب المسافات وإحترام الآخر وغيرها، فحوارات الأديان والشعوب ومحاربة الغلو والتطرّف وغيرها تقتضي الإلتزام بآداب وضوابط الحوار والتي أساسياتها الإخلاص والبيئة المناسبة والعدل والإنصاف للطرف الآخر وإظهار الحق وكشف الباطل والحكمة والصبر وحُسن الإستماع وإحترام الطرف الآخر لأن الإختلاف في الرأي لا يُفسد في الود قضيّة وغيرها، فالحوار قيمة دينية وإجتماعية وثقافية وإنسانية، وحتى من منطلق ديني تتباين حكمة مشروعية الحوار بين الواجب الحلال والباطل المذموم والمكروه المُضيع للوقت والمحرّم المبني على الذب والسخرية والإتهام وهكذا.