بلال حسن التل
بكل وضوح وبساطة وإيمان مطلق، وفي كل جلسات العصف الفكري وتبادل الرأي التي يقودها، كان دولة السيد فيصل الفايز يؤكد على أن قانون الانتخاب يجب أن يكون نابعاً من ثقافة المجتمع الأردني ملبياً لإحتياجاته.
بتأكيده هذا فأن رئيس السلطة التشريعية يضع في طرحه هذا أصبعه على مفهوم اساسي، سبب غيابه الكثير من الاختلالات والمعاناة التي نعيشها، ليس من قانون الانتخابات وإجراءاتها فقط، بل في مجمل حياتنا التشريعية، وخططنا الاقتصادية، وغيرها من المجالات، ذلك أننا منذ فترة صرنا نتجاهل قاعدة أساسية من قواعد التشريع والتخطيط، تقول إن الأصل في التشريع اوالتخطيط أن ينبثق من ثقافة المجتمع، ويلبي حاجاته وينظم العلاقات بين أفراده، وهي قاعدة أقرها الإسلام الحنيف عندما جعل الاجتهاد مصدراً من مصادر التشريع، وهي قاعدة تسمح بالتعددية كما تطلق للعقل البشري عنان التفكير الحر، للبحث عن ماهو أفضل لتنظيم حياته وفقا لحاجاته، خاصة على صعيد القوانين والتشريعات وتطويرها وفقاً لحاجة المجتمع الذي ستطبق فيه.
قاعدة أخرى عرّفها فقهنا الإسلامي والتشريعات التي انبثقت عنه، وهي قاعدة تبدل الأحكام بتبادل الأحوال والأزمان، لذلك رأينا الإمام الشافعي على سبيل المثال يغير الكثير من أراءه وفتاويه، عندما غّير مكان إقامته بين مصر والشام، فتغيرت معها الكثير من المعطيات التي غير على ضوءها جزءاً من فتاويه وأحكامه، وهذه القاعدة هي التي أكدت حقيقة أن "الإسلام يُصلح لكل مكان". لأنها قاعدة تؤكد ثبات العقيدة وتغيير أحكام التشريعات، على ضوء مصالح الناس وتحقيق مقاصد الوجود البشري.
هذه القاعدة التشريعية أدركها البناة الأوائل،للدولة الأردنية الحديثة خاصة حقيقة أن الاجتهاد في التشريع الإسلامي على قاعدة تغيير الحكام بتغيير الأحوال والأمان، هي التي مكنت الحضارة الإسلامية من تطويع كل العلوم والمعارف والثقافات الأخرى، فأخذت ما يناسب مجتمعاتها وثقافتها وطوعتها، ونبذت ما خالف ذلك كله، وهذه ميزة الحضارات والشعوب الحية التي كانت تريد المحافظة على هويتها واستقلالها، وهي ميزة تمتع بها البناة الأوائل للدولة الأردنية الهاشمية الحديثة، فقد تمسك البناة الأوائل بثقافة المجتمع الأردني وقيمه، وهي جزء من الثقافة والقيم العربية والإسلامية، لكنهم أخذوا من تجارب الشعوب والدول الأخرى، ما يناسب تجربتنا الأردنية، وطوعوها لثقافتنا الأردنية العربية، علماً بأن رموز التجربة الأردنية وبناة دولتها كانوا خريجين من أعظم وأعرق الجامعات العربية والغربية بدءاً من هارفرد وأكسفورد وكمبرج مروراً بالقاهرة ودمشق وبغداد وصولاً إلى الجامعة الأردنية في ستينيات القرن الماضي، لكن أحداً منهم لم يحاول خلع التجربة الأردنية من جذورها ليلبسها ثوباً ليس لها، لذلك تطورت الدولة الأردنية تطوراً طبيعياً صار قصة نجاح وإنجاز، حتى أظلنا زمان صار فيه الأمر لأناس أعتقدوا ومارسوا غير ذلك، وظنوا أن ترجمة القوانين والخطط يختصر المسافات، وإن خلع مجتمعنا من سياقه الحضاري وتطوره الطبيعي هو السبيل، فكانت النتيجة ما نعيشه من أزمات، من بينها فقدان الثقة بالعملية الانتخابية، منذ أن أبتلينا بقانون الصوت المجزؤ الذي أسموه قانون الصوت الواحد، الذي آن اوآن تبديله بقانون انتخاب ينبثق من ثقافتنا ويلبي أحتياجاتنا ويراعي تركبيتنا السكانية والجغرافية، تتوافق عليه الاغلبية، كما يؤمن بذلك فيصل الفايز معبراً عن تطلعات أغلبية الأردنيين، لأنه جاء من رحمهم ومن أصالتهم.