بقلم الدكتور رجائي المعشر
مع دخول بلدنا مئويته الثانية بات من الضروري إعادة النظر جديا وعميقا في الأساليب المستخدمة للتطوير والنهوض وهذا يستلزم تفكيرا جديدا غير تقليدي والتزام معايير في العمل والإنتاج وفق برامج محددة يمكن قياس نتائجها وبالتالي قياس مدى الإنجاز المتحقق.
ومن هنا تنبع أهمية قيام الدولة بوضع خطة تنمية اقتصادية واجتماعية متوسطة المدى بناء على الحقائق التالية:
أولا: غياب الأحزاب التي تتداول السلطة وفق برامج يتم بموجبها انتخاب مرشحيها لمجلس النواب ومن ثم تقوم هذه الأحزاب على تنفيذ برامجها الاقتصادية والاجتماعية من خلال حكومتها.
ثانيا: غياب الأهداف الوطنية الكلية القابلة للقياس والتي تعمل الحكومات على تحقيقها.
ثالثا: تشتت جهد التخطيط وهذا أدى إلى ضعف موائمة أهداف الاستراتيجيات القطاعية مع الأهداف الوطنية.
رابعاً: الضعف في تنفيذ الإستراتيجيات القطاعية.
خامساً: اعتماد الحكومات المتعاقبة على قائمة مشاريع لم تدرس جدواها وأثرها على الاقتصاد الوطني وقدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية، وقد اثبت هذا النهج ضعفا كبيرا في تحقيق التنمية المستدامة كما حصل في برنامج التحول الاقتصادي ومشاريع المنحة الخليجية.
سادساً: الخلط بين برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذ يسعى البرنامج إلى تحقيق أهداف مالية مثل تخفيض عجز الموازنة ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بينما تهدف خطة التنمية الاقتصادية إلى تحقيق النمو والتنمية وتوجيه الانفاق الرأسمالي لهذه الغاية.
سابعا: غياب السياسة الاقتصادية فهناك سياسة مالية هي في الأساس برنامج الإصلاح مع صندوق النقد، وسياسة نقدية يقوم عليها البنك المركزي ومشاريع برامج استثمار تقوم عليها وزارة الصناعة والتجارة وهيئة الاستثمار ومشاريع برامج للاستثمار طويل الأجل تقوم عليها وزارة التخطيط ولا توجد جهة مرجعية معنية بالتنسيق بين هذه المؤسسات ووضع سياسة اقتصادية تعمل على تحقيق الأهداف الوطنية.
ثامنا: أسلوب التعامل مع التحديات التي تؤرق الوطن والمواطن، فعلى سبيل المثال تقوم كل حكومة بوضع برامج لمعالجة أزمة البطالة لتتوقف هذه البرامج لعدم جدواها بعد إنفاق الكثير من المال. والأمر نفسه ينطبق على مجالات أخرى مختلفة.
لذلك فإن الحكومة مدعوة إلى وضع خطة خماسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة التحديات التي تواجه الوطن يكون الالتزام بتنفيذ هذه الخطة عابرا للحكومات وملزما لها.
تبدأ الخطة بتحديد الأهداف الوطنية الكلية؛ على سبيل المثال: –
1 – تخفيض نسبة البطالة في سني الخطة بنسبة 5 %.
2 – تخفيض نسبة الفقر في سني الخطة بنسبة 4 %.
3 – الوصول إلى تساوي الإيرادات المحلية والنفقات الجارية.
4 – تحقيق نسبة نمو اقتصادي محددة.
5 – رفع ترتيب الأردن في سهولة الأعمال.
(لا بد أن يكون من الوسائل الرئيسية للخطة إقامة مشروعات إنتاجية وطنية كبرى لتشغيل القوى العاملة الأردنية لكي تحل محل العمالة الوافدة، وفي هذا تخفيض لنسبة البطالة وكذلك تخفيض لنسبة الفقر).
وهكذا لباقي المؤشرات التي تشكل بمجملها حلولا جذرية للمشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية. ولا بد أن تعمل الخطة على موائمة الأهداف القطاعية مع الأهداف الوطنية بحيث تقاس أولويات الإنفاق في القطاعات المختلفة بحسب قدرة الإنفاق على تحقيق الأهداف الوطنية.
التطوير الإداري:
يعتبر التطوير الإداري من أهم متطلبات نجاح تنفيذ الخطة لذلك لا بد من وضع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد اثبت الاستمرار بأساليب عمل الإدارة العامة الحالية عدم قدرتها على تنفيذ الإستراتيجيات القطاعية المختلفة كما أن أهداف هذه الإستراتيجيات القطاعية لا تعكس بالضرورة أولويات الأهداف الوطنية. وتطوير الإدارة العامة يبدأ في تحديد مهام الحكومة وفي رأيي إن هذه المهام هي التخطيط، والتنفيذ والمتابعة والتقييم. كما أن الاستمرار في قيام الجهة الحكومية الواحدة بالمسؤوليات كلها لا يترك مجالا للتقييم والمساءلة والمحاسبة مما يتطلب ما يلي:
أولاً: مركزية التخطيط، بحيث تكون جهة واحدة معنية بالتخطيط تكون مهامها وضع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية الخماسية وتقوم بذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والمختصين.
ثانياً: تناط صلاحيات التنفيذ بالوزارات والدوائر والأجهزة التابعة لها.
ثالثاً: تناط صلاحيات المتابعة والتقييم بجهة متخصصة في رئاسة الوزراء تكون مهامها تقديم التقارير الدورية عن سير العمل في مشاريع الخطة وتقييم الأداء والأثر وتوفير المعلومات اللازمة للجهة المعنية بالتخطيط لمراجعة الخطة وتحديثها عند الحاجة.
كما يتطلب التطوير الإداري تقسيم الوزارات على النحو التالي مثلاً:
أولاً: الوزارات السيادية وهي الداخلية، الدفاع، الخارجية، العدل، المالية، التنمية السياسية، الأوقاف، الشباب، الثقافة والبيئة.
ثانياً: الوزارات الخدمية – التربية والتعليم، والتعليم العالي، الصحة، الأشغال، التنمية الاجتماعية، والنقل.
ثالثاً: الوزارات الاقتصادية الإنتاجية – الصناعة، والتجارة، الزراعة، السياحة، الاستثمار، المياه، الاقتصاد الرقمي والطاقة.
وقد يفرض هذا التقسيم تطوير هياكل تنظيمية مختلفة لكل فئة من هذه الفئات وكذلك نظام خدمة مدنية يطبق على جميع الأجهزة الإدارية في الحكومة وآخر لذوي الاختصاص، يطبق على كل وزارة في ضوء الاحتياجات الفنية اللازمة لقيامها بعملها، ونظام علاوات جديد يعتمد العلاوة للوظيفة وليس للتخصص.
ومن أهم متطلبات التطوير الإداري وزيادة إنتاجية القطاع العام: إدارة المال العام بمعنى اعتماد أسس واضحة لرصد المال اللازم للقطاعات المختلفة ووضع الإجراءات والأنظمة المالية التي تحد من الهدر لذلك فإن هناك حاجة إلى مركزية إدارة المال العام على النحو التالي:
أولا: تحويل دائرة الموازنة العامة إلى دائرة الخزينة وإدارة المال العام وتكون مهامها:
1. وضع الموازنة العامة المنسجمة مع خطة التنمية وعلى أساس الموازنة الموجهة بالنتائج.
2. تحديد أولويات المشاريع في ضوء الأموال المتاحة والتي تعمل على تحقيق أهداف الخطة الوطنية.
3. إدارة المال العام وسبل الإنفاق بما في ذلك مراجعة الإنفاق العام.
4. اقتراح السياسات المالية للحكومة.
ثانيا: نقل مهام التعاون الدولي من وزارة التخطيط إلى دائرة الخزينة المقترحة بحيث تكون من مهامها أيضا:
1. العلاقات مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية بما فيها صندوق النقد الدولي.
2. توفير التمويل اللازم لمشاريع الخطة الوطنية من خلال التعاون مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.
وأخيرا وعند استكمال هذه الإجراءات الهيكلية تصبح مؤسسات السياسة الاقتصادية كما يلي:
• السياسة المالية – وزارة المالية/ دائرة الخزينة وإدارة المال العام والتعاون الدولي.
• السياسة النقدية – البنك المركزي
• الاستثمار – هيئة الاستثمار
• النشاط الاقتصادي- وزارة الصناعة والتجارة
• الاستثمار طويل الأمد- التخطيط
وعليه يتم تشكيل الهيئة الاقتصادية العليا من الجهات المذكورة أعلاه وتكون مهامها:
1. وضع السياسة الاقتصادية التي تحقق أهداف الخطة الوطنية.
2. التنسيق المستمر بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية للتأكد بأنها بمجملها تحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة.
3. اقتراح برامج التحفيز للقطاعات المختلفة.
4. متابعة مؤشرات الاقتصاد الكلي واقتراح الإجراءات الضرورية لمواجهة العقبات التي تعترض تحقيق الأهداف.
آلية وضع ومتابعة الخطة الوطنية:
إن وضع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخماسية يتطلب ما يلي:
أولاً: تشكيل لجنة توجيهية عليا برئاسة رئيس الوزراء ومشاركة مؤسسات القطاع الخاص والقطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني والمختصين في مجالات التخطيط والاقتصاد والمالية والاجتماعية وتكون مهام هذه اللجنة:
1. وضع الأهداف الوطنية الكلية المستهدفة.
2. موائمة الأهداف القطاعية مع الأهداف الوطنية.
3. مراجعة عمل اللجان القطاعية للتأكد من انسجام عملها مع الأهداف العامة.
4. مناقشة الأولويات القطاعية من منطلق قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة وضمن الإمكانات المالية المتاحة.
ثانياً: تشكيل لجان قطاعية لكل من:
الاقتصاد الكلي، الصناعة والتجارة، الزراعة والمياه والبيئة، السياحة، الاستثمار، الطاقة والثروة المعدنية، الموارد البشرية، الاشغال العامة والإسكان، الصحة، النقل، الثقافة، الشباب، الحكم المحلي.
ويتم تشكيل اللجان القطاعية من المختصين في القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة وتكون مهامها:
1. وضع الأهداف القطاعية التي تسهم في تحقيق الأهداف الوطنية.
2. اقتراح الإجراءات التنظيمية اللازمة لتطوير العمل.
3. اقتراح التشريعات الجديدة، و/أو اقتراح التعديلات على القوانين القائمة لإيجاد البيئة التشريعية الميسرة للعمل.
4. تحديد مشاريع البنية التحتية اللازمة للقطاع.
5. تحديد حجم استثمارات القطاع الخاص في كل قطاع ووضع خطة التحفيز اللازمة لتحقيق هذه الاستثمارات.
ثالثاً: إنشاء وحدة تقييم ومتابعة في رئاسة الوزراء تكون مهامها:
1. متابعة تنفيذ خطة التنمية الوطنية.
2. وضع المؤشرات الموضوعية لتقييم الإنجاز والأداء المؤسسي.
3. تزويد وزارة التخطيط واللجنة التوجيهية العليا بالمعلومات لتمكينها من مراجعة الخطة وتحديثها في ضوء الإنجاز الفعلي.
4. دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمشاريع التي تم تنفيذها للتأكد من أنها جاءت منسجمة مع ما كان متوقع منها.
اعتقد أن هذا النهج في العمل الحكومي أصبح ضروريا في ضوء المعلومات التي توفرت عن تعثر الإنجاز في الاستراتيجيات القطاعية والتغيير المستمر في أولويات عمل الحكومة وغياب الأهداف الوطنية التي نعمل لتحقيقها.