د. إبراهيم صبيح
إذا سافرت إلى مدينة القاهرة الآن وقصدت حي الدرب الأحمر ثم جامع الأزهر فإنك لن تكون بعيداً عن خان الخليلي المشهور بمعروضاته من قطع أثرية ومشغولات فضية وملابس وغيرها. من هناك تعرج إلى زقاق ضيق لتجد قهوة الفيشاوي الشهيرة التي تزين جدرانها مرايا أثرية ضخمة فتجلس لتناول الشاي بالنعناع وتراقب العالم وهو يمشي من أمامك وتتذكر رواد هذا المقهى الذي كان ملتقىً ومنتدىً لمشاهير وأُدباء مصر. تمشي من هناك إلى حي "الباطنية" فتحس انك قد دخلت إلى عالم شعبي تشم فيه رائحة الملوخية والجوافة والزعتر وتسمع أصوات الأناشيد الدينية مختلطة مع أصوات صادرة من المذياع لفنانين مثل ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد المطلب و فايزة احمد. تمشي في الأزقة القديمة فتشاهد مبانٍ تاريخية وآثارٍ عثمانية وفاطمية ومملوكية وتحس فعلاً انك في مصر، ام الدنيا. حي الباطنية هذا لم يكن مكاناً جميلاً كما هو الآن فقد كان في سبعينيات القرن الماضي مرتعاً للانحراف والإجرام والبلطجة ووكراً لتجارة المخدرات التي كانت تباع في الشوارع علناً. كانت حارات الحي تسمى بأسماء تجار المخدرات ، وكان سكان الحي جميعهم من رجال ونساء وأطفال يشاركون في تجهيز المخدرات وتصنيعها وتعليبها وتوزيعها وبيعها بالإضافة إلى مزاولة وظيفة "الناضورجي" أي الشخص الذي يؤدي مهام الحراسة ويراقب المداخل والمخارج لإنذار تجار المخدرات من حملات الشرطة التي أصبحت فعلاً تتحاشى الدخول إلى الحي. تجسدت قصة تجارة المخدرات في أفلام مصرية عديدة مثل فيلم الباطنية لناديه الجندي وفاروق الفيشاوي وكذلك في العديد من المسلسلات والتي أصبح من المألوف أن تسمع فيها حواراً مثل:"مسا يا معلم، تحب تشد"، فيأخذ المعلم النارجيلة الملغومة بالمخدرات فيأخذ النفس ثم يكتمه ثم يخرج الدخان من أنفه ويمرر الشيشة إلى متعاطٍ آخر وهكذا. في نهاية السبعينات قام وزير الداخلية المصري في ذلك الحين بحملة دخلت فيها قوات الشرطة الى حي الباطنية وتم تنظيف المكان من أوكار المخدرات. ارتبط التدخين في أذهان العامة بتعاطي المخدرات وتناول الكحول، فمادة التبغ تعتبر مادة إدمان وسواء أخذتها عن طريق سيجارة أو نارجيلة أو غليون أو سيجار فإنك تقترف جريمة بحق نفسك فالتبغ يحتوي على 3600 مركب كيماوي منها 100 مركب كيماوي مسرطن يؤدي إلى حدوث سرطان الفم واللسان والرئة والمعدة والقولون والمثانة بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والجلطة القلبية والجلطة الدماغية المؤدية للشلل وفقدان النطق، والتهابات القصبات الهوائية والربو وقرحة المعدة وقلة التروية الدموية في الأطراف السفلية مما يؤدي إلى بتر القدمين. كما يؤدي التدخين إلى تخفيض معدلات الخصوبة بين الإناث والرجال وزيادة في نسبة العيوب الخلقية في الأجنة بالإضافة إلى خطره على الصحة النفسية. وكذلك فإن التدخين على عكس كل ما يقال لا يساعد في التركيز والتذكر ولا يجعل هضم الطعام أفضل، ولا يؤدي إلى تحسين الحالة النفسية ولا يقلل من الأحزان ولا يزيد من الإحساس بالفرح ولا يساعد في حل المشاكل أو عقد الصفقات ولا يجعل من ممارسة الجنس أكثر متعة، فالمدخنون عادة يشكون من ضعف الرغبة الجنسية وضعف الأداء الجنسي. النارجيلة مثل السيجارة لا بل هي أخطر لان تدخينها يأخذ وقتاً أطول فيصبح الضرر أكبر فالمعروف علمياً أن تدخين نارجيلة واحدة يعادل في خطره تدخين ثمانين سيجارة بالإضافة إلى أن تدخين النارجيلة في المقاهي المزدحمة يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية والوبائية والفطرية فلا تنخدع بالنادل وهو يعطيك مبسماً و أنبوبة مغلفة بالسيلوفان على أنها معقمة ولم تستخدم من قبل ولا يخدعك بقوله بأن قارورة النارجيلة قد تم تنظيفها وتعقيمها قبل أن تقدم لك. كذلك فإنك لا يجب أن تنسى أن بعض المقاهي قد تضيف مواد ممنوعة أو محظورة إلى النارجيلة حتى يصبح متعاطيها مدمناً يعود إلى نفس المقهى للانبساط. من ناحية دينية فإن مجمع الفقه الإسلامي قد قرر منذ سنوات عديدة أن التدخين محرم تحريماً قاطعاً. كذلك فإن العالم المتقدم قد منع التدخين في الأماكن العامة منذ عقود أما نحن في الدول "النامية أو النايمة" فقد شجعنا تناولها في المقاهي والنوادي وذلك بإضافة الجلسات العربية والمقاعد الوفيرة والمساند المريحة والجو العربي والغناء الشعبي والمأكولات العربية مثل البليلة والفول النابت والسحلب والتمر الهندي، وخاصة في "سهرات رمضان" فأحس أبنائنا بأن هناك جواً جديداً للتدخين فاتجهوا إليه مما أدى الى انتشاره بين كل الفئات والأعمار وخاصة الاناث. بعد كل هذا يأتي من "يتنطع ويتمطع" ويقول لنا: لماذا تحرموننا من سعادة تدخين النارجيلة ولماذا تريدون أن تقطعوا "أرزاق" آلاف العائلات الأردنية التي تعمل في هذه "الصناعة السياحية" لا بل إنني أحسب أن هؤلاء قد يتجمعون في مظاهرة أمام مبنى رئاسة الوزراء ومعهم سكان حي الباطنية اللذين سيحضرون من القاهرة للمشاركة في الاحتجاج على قطع "الأرزاق".
سيدي رئيس الوزراء، سيدي وزير الصحة، السادة المحافظون في محافظات المملكة، السادة أعضاء اللجان الصحية في مجلسي الأعيان والنواب: النارجيلة وسيلة من وسائل القتل فلا تترددوا واقطعوا أرزاق اللذين يقدمون السموم والسرطان والإدمان إلى شبابنا وشاباتنا في قوارير زجاجية. ليكن شعارنا في شهر رمضان القادم وفي كل ايامنا وشهورنا: لا للنارجيلة، نعم للحياة.