الشاهد - -الصرخة التي أطلقها وزير الزراعة حقيقية وواقعية ويجب أن تسمع
-لدينا أزمة اقتصادية، واجتماعية، وازمة إدارة
-نهج الحكومة يقتصر على التسكين أوالفزعة ورد الفعل
-تعامل الحكومة القطاع الزراعي، اجتهادي وغير مؤسسي
-التوريث وإعادة تدوير المناصب يهدم الثقة بمؤسسات الدولة
-التحدي الأكبر الذي يواجه قطاع الزراعة، هو ارتفاع كلف الانتاج
ربى العطار
تصوير :سند العبادي
فيديو :علاء البطاط
مونتاج :محمود تيم
ارخت جائحة كورونا بظلالها على الوضع العام في كل دول العالم، وتأثر الأردن كغيره من الدول اقتصادياً واجتماعياً، وحتى في حقل التعليم والزراعة، وشتى مجالات الحياة.
لم يكن قطاع النقابات المهنية الأردنية في منأى عن دائرة تأثير الجائحة، بل كان حاضراً في دائرة الاهتمام، ولعل نقابة المعلمين، ونقابة الاطباء، ونقابة المهندسين الزراعيين، كانت الأكثر حظا في تفاصيل الأحداث التي رافقت الجائحة.
فالمعلمون وقصة الحراك ومسلسل إغلاق نقابتهم واعتقال أعضاء مجلسها هو عنوان بارز، لكن الأطباء هم مفتاح الوقاية والعلاج لهذه الأزمة الصحية، أما نقابة المهندسين الزراعيين كانت الأقرب والأكثر تفاعلاً مع التحديات التي تواجه القطاع الأكثر أهمية في مثل هذا النوع من الأزمات وهو القطاع الزراعي.
"الشاهد" استضافت رئيس مجلس النقباء، ونقيب المهندسين الزراعيين المهندس عبدالهادي الفلاحات، للحديث حول مجموعة من المحاور الهامة، من أبرزها تحديات القطاع الزراعي، وانتخابات النقابات المهنية، وتعامل الحكومة مع تلك التحديات، والذي تحدث بشفافية وصراحة حول تلك التحديات.
القطاع الزراعي قادر على تسخير الامكانيات المتاحة وإن كانت ضعيفة
الكل يتحدث عن القطاع الزراعي خلال هذه المرحلة، وجلالة الملك في السنة الماضية تحدث أكثر من عشر مرات عن أهمية هذا القطاع، الذي أثبت حضوره في ظل جائحة كورونا، كونه قام بتلبية احتياجات المواطن الأردني والضيوف المقيمين على أرض المملكة، كما استطاع أن يلبي حدود معقولة من احتياجات اشقائنا في دول الخليج.
والقطاع الزراعي استطاع أن يتكيف مع هذه الأزمة والأزمات الماضية، وهو مؤشر بأن هذا القطاع قادر على تسخير الامكانيات المتاحة وإن كانت ضعيفة، وأن يعظم العائد من وحدة المساحة والمياه، وحتى الانتاج، وبالتالي فإن القيمة المضافة للقطاع، وهو اللبنة الأساسية لبناء أي اقتصاد وطني كبير.
إدراك أهمية القطاع الزراعي لا تأتي إلا وقت الأزمات
إدراك أهمية القطاع الزراعي للأسف لا تأتي إلا وقت الأزمات، وعندما تنتهي الأزمة، نعود كما كنا سابقاً.خطوة للخلف، وملاحظاتي من خلال لقائي بدولة رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز، ومعظم الوزراء، كانت تتعلق بأن العمل مع القطاع الزراعي لا يأخذ الشكل المؤسسي، واعتقد أن العمل كان اجتهادياً وفردياً، يخضع لجو عام يفرض ايقاعه على أصحاب القرار، يعني ليست اهتمام ذاتي من الحكومات المتعاقبة لإدراك دور وأهمية هذا القطاع، وإنما تأتي على شكل فزعة نتيجة لظرف معين، أو نتيجة لاهتمامات وتوجيهات من رأس الدولة (جلالة الملك)، أو عندما يكون هناك أزمة مثل ما حصل في عام 2008، وعام الزراعة 2009م ، لكن للأسف، كانت لنا كارثة، كثير من الضرائب فرضت، وكثير من التحديات عرقلت تطور هذا القطاع.
لغاية الآن، الحكومات المتعاقبة وحتى الحكومة الحالية لم تستطع أن تتعامل مع هذا القطاع، وتتعامل معه وكأنه هامشي، لذلك يجتهد وزير الزراعة، ولديه القليل من الصلاحيات، ووزير العمل ينفرد في قراره، ووزير الصناعة والتجارة قراره أيضاً منفرد، مما يعني غياب القرار التشاركي والمؤسسي، للاتفاق على التحديات ووضع الحلول لتلك التحديات، ونحن كقطاع خاص قدمنا أكثر من عشرين مذكرة عن المشاكل والتحديات والحلول، والتي يمكن قاعدة حوار ونقاش، فنحن بحاجة للبدء بالعمل المؤسسي، حتى لايبدأ كل وزير للعمل من الصفر، وحتى يتم الأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية نتيجة القرارات الفردية.
اجتماعات المجلس الزراعي الأعلى بروتوكولية وشكلية
إن المجلس الزراعي الأعلى، أداة موجودة، يرأسه رئيس مجلس الوزراء، وفي عضويته معظم الوزراء الذين لهم علاقة بصورة مباشرة وغير مباشرة بالقطاع الزراعي، كذلك القطاع الخاص له تمثيل في هذا المجلس، لكن الاجتماعات فيه بروتوكوليه وشكليه، لذلك نحن نأمل أن يتم مناقشة بند أو بندين على جدول أعمال المجلس ويتم اتخاذ قرار، وأن يكون ملزماً لكل مؤسسات الدولة.
ونحن لا نقلل من أي منجز من منجزات الدولة، فهناك نقاط مضيئة كثيرة، لكننا نتحدث عن الانتقال من واقع يواجه ظروف صعبة، إلى قطاع آخر فيه العمل منظم ومؤسسي، وبالتالي يؤدي دوره المأمول منه.
ونقابة المهندسين الزراعيين جزء من قطاعات الدولة، ودورنا تقديم التوصيات الفنية، وأن نكون جزء من منظومة العمل في القطاع الزراعي، دفعنا منذ فترة لتأسيس مجلس شراكة بين وزارة الزراعة والقطاع الخاص، وهذا المجلس يجتمع، لكن ليس بشكل منتظم، ودون أن نقدم رؤيتنا الفنية في الكثير من الاشكاليات والتحديات، لذلك قدمنا مجموعة من التوصيات، وقدمنا أكثر من مصفوفة حتى في أزمة كورونا، يؤخذ في بعضها، لكنها مازالت مرهونة بقناعات المسؤولين، وقدرتهم على التماهي والتعاون مع متطلبات القطاع الزراعي.
وللنقابة الكثير من المساهمات الفنية، سواء كان بالتدريب أو التأهيل، أو التوصيات والحلول الممكنة، لكن الذي يسن التشريعات ويفرض الضرائب أو يعفيها وبيده المال والإغلاق هو الذي يتخذ القرار وهي المؤسسات الحكومية وليست النقابة والقطاع الخاص، وبالتالي الصرخة التي أطلقها وزير الزراعة هي صرخة حقيقية وواقعية، وعندما يطلقها وزير فأعتقد أنه يجب أن تُسمع بصورة أكبر مما لو أطلقتها مؤسسة أهلية، لأن لا مصلحة لديه في تجارة أوصادرات، وإنما هو اطلع على جزء من معاناة القطاع الزراعي وظروفه، وبالتالي أطلق هذه الصرخة على شاشة التلفزيون الوطني.
ارتفاع كلف الانتاج هو التحدي الأبرز لقطاع الزراعة
أما عن التحدي الأكبر الذي يواجه قطاع الزراعة، هو ارتفاع كلف الانتاج، مقارنة مع دول الإقليم، فالعمالة تساهم بنسبة 50% من كلف الانتاج، بالإضافة لموضوع الطاقة، وموضوع المياه في بعض المناطق الجغرافية، واذا تحدثنا عن التصنيع الزراعي والاستثمارات فإننا سوف نذكر الضرائب والرسوم التي تفرض على القطاع.
فالمزارع الأردني، يعاني معاناة كبيرة ، فهو غير قادر على بيع منجاته، وغير قادر على المحافظة على أسواقه التصديرية في الخارج، لأسباب تتعلق بالأزمة، وأيضاً ارتفاع كلف النقل.
الحكومة اليوم تتحدث عن الخارطة الزراعية، وتم الحديث عن وجود 16 دونم قابلة للزراعة، وتم الحديث من خلال مجلس الأعيان بخصوص تحفيز الناس بمكوناته المختلفة ومنهم الشباب.
ونحن لدينا محددات، فمحدد الأرض موجود، ولدينا محدد المياه، ونحن كنقابة مهندسين زراعيين جاهزين لتدريب وتأهيل زملائنا وتسهيل امكانياته للحصول على التمويل فيما يتعلق بتنفيذ مشاريع زراعية، لكن بحاجة إلى قرار، ونحن معنيون بأن نكون شركاء في اتخاذ القرر وتصويبه.
كمجلس نقابة، التقينا مرتين مع رئيس الحكومة السابق، بخصوص الموافقة على اجراء الانتخابات النقابية، وضرورة عقد اجتماعات الهيئة العامة ولم يتم الموافقة عليها حتى هذه اللحظة، ونحن بحاجة لاستمرار العملية النقابية للاستمرار بالبناء، نحن نقدر الظرف الصحي، لكن الانتخابات النيابية أجريت، ومن الممكن أن نصل مع الحكومة إلى حل وتفاهمات في كيفية الاجراء وآليات التنفيذ، مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات وشروط السلامة العامة.
لن يكون هناك فارق يلمسه المواطن الاردني إلا بتغيير النهج الحكومي
ولنتحدث بصراحة، بما أنه آلية وكيفية تشكيل الحكومة الحالية كما هي الكيفيات السابقة وبنفس الآليات فلن يكون هناك فارق يلمسه المواطن الاردني، وبالتالي فاعتقد أنها ستكون كسابقاتها من الحكومات، ولن تشكل فرق، لأن الأدوات والآليات نفسها.
واحدة من اشكاليات هدم الثقة بين مؤسسات الدولة المختلفة والمواطن، هو اشكالية التوريث وإعادة تدوير المواقع والمناصب، وهذه المسألة كانت من المطالب التي نادى الحراك الشعبي عام 2011 بالحد منها.
الحكومات تتعامل مع كل التحديات السياسية والاقتصادية بثلاث طرق، إما بالقطعة وهو مايعني التسكين، مثلاً عندما يكون لدي حراك للمعلمين سيكون هدفي فقط تسكين حراك المعلمين، أو بالفزعة، أو ردة فعل لحدث ما، وهذا كله بدون عمل مؤسسي ومنهجي، وأنا كرئيس مجلس نقباء ونقيب من واجبي أن اسلط الضوء على مواطن الخلل في القضايا التي ممكن تهمش وتهشم روابط الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
اليوم المواطن الأردني معني بأن يرى الدولة الأردنية في أبهى صورها، ومعني أن تكون دولة قوية وحاضرة على الصعيد المحلي والدولي، اقتصادياً وسياسياً، وعلى الصعيد الإقليمي في القضايا المؤثرة، أو التي يمكن أن يتأثر فيها الوطن، وهذا الحضور لا يأتي إلا من خلال أن يتسع هذا الوطن لجميع ابنائه.
فإذا شعرنا بأن هناك بعض الممارسات التي تصل لحالة الاقصاء في كثير من القرارات، فنعتقد بأننا بحاجة لمراجعة الكثير من السياسات، فلا يعقل أن يُعتقل صحفي على كلمة أو منشور، فالمواطن الحر الكريم الذي يملك ارادته هو المواطن الذي يستطيع أن يبني دولته، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يدافع عن دولته، عندما تتعرض إلى أزمة، لكن المواطن العبد المأسور الذي لا يملك إرادة ولاحرية، فهذا لن نجده في حل أزمة ولا بناء دولة والدفاع عنها.
الأزمات التي تعانيها الدولة نتائج طبيعية لإشكال سياسي جذري
رسالتي لدولة رئيس الوزراء بأن لدينا أزمة اقتصادية، واجتماعية، وازمة إدارة لمؤسسات الدولة، لكنني اعتقد بأن هذه كلها ظواهر ونتائج طبيعية لإشكال سياسي حقيقي في الدولة، وبالتالي فإن الحل لجذور هذا الإشكال هو حل سياسي، يتأتى من خلال قانون انتخاب متوافق عليه، يفضي ويفرز مجلس نواب يمثل إرادة الشعب، يستطيع أن يراقب ويحاسب وأن يشرع وأن يسائِل السلطة التنفيذية.
فقانون الانتخابات النيابية الحالي، رافقته اجراءات سلبية التي لم تحقق نتائج ايجابية، والعكس صحيح، إذا كانت الاجراءات جيدة والقانون سيء فالنتيجة أيضاً لا شيء.