د. محمد طالب عبيدات
ربما يعدّ الأردنيون أكثر شعوب العالم إطّراداً في امتلاك المركبات الخصوصية لسببين: الأول الثقافة المجتمعية التي تُحتم عليهم حبّ الامتلاك لوسيلة المواصلات أمام الغير للشوفيّة حتى وإن كان معظم المركبات مرهونة أو مديونة للبنوك، والثاني عدم وجود نظام نقل أو مواصلات عام موثوق به من كل النواحي.
في الأردن ما يربو عن مليوني مركبة خصوصية وطاقات طرقنا وسعاتها المرورية داخل المدن الرئيسة تحديداً تتأثر بكُثر هذه المركبات لدرجة أن الازدحام الشديد للمركبات لم يعد يُطاق وأن الانتقال من مكان لآخر داخل المدينة الواحدة بات يأخذ وقتاً لم يكن بالحسبان بل ويُضيع أوقات الناس التي من المفروض أن تُستغل للإنتاجية ودعم الاقتصاد الوطني.
بالمقابل هنالك تلكؤ أو ربما تردد في إدارة ملف النقل العام بالأردن بالرغم من كل الجهود المقدّرة التي تُبذل وبُذلت للآن، وتعود أسباب ذلك منها لأمور مؤسسية وفشل في إيجاد نظام نقل موثوق به ومسؤولية ذلك تقع على الحكومة، وأخرى ثقافية ومسؤولية ذلك تقع على عاتق المواطن والذي أعذره أحياناً عن تردده بإستخدام وسائل النقل العام بسبب عدم وجود نظام نقل يثق به بحيث تصله وسيلة النقل بالوقت المحدد وتُوصله لمقصده بالوقت المحدد.
تاريخياً حاولت بعض الحكومات تقديم دعم مادي مباشر لشركات النقل العام لتنعكس كخدمة على المواطن وتخفيض في أجرة الراكب لغايات تشجيع ثقافة استخدام وسائل النقل العام وخصوصاً بين فئة الشباب وتحديداً على خطوط الجامعات، إلّا أن تأثير ذلك لم يعُد ملموساً البتّة لأن كل مواطن ما زال يرغب بامتلاك مركبتة الخاصة كمؤشر على عدم قناعته بوسائل النقل العام وفعاليتها.
والاهتمام بقطاع النقل العام –والذي يحوي الباصات العمومية وسيارات السرفيس والقطارات الخفيفة والقطارات تحت الأرض (المترو) التي تعمل كهربائيا-، يأتي لأن هذا القطاع من القطاعات الحيوية التي تسهم في تقدم عجلة التنمية بمفهومها الشامل، نظرا لأهميته في مسألة نقل القوى البشرية العاملة أو المتعلمة أو الدارسة أو غيرها لغايات الوصول بيسر وسهولة وفي الوقت المحدد لمكان العمل أو المؤسسات التعليمية أو الاقتصادية أو غيرها وباستخدام وسيلة مواصلات يمكن الاعتماد عليها، وهو من أبسط حقوق المواطنين في أي دولة، وهو إحدى الوسائل العملية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس.
ونحن في الأردن ما زلنا نفتقر إلى ثقافة استخدام وسائل النقل العامة للنقل الجماعي لأسباب عديدة منها عدم وجود العديد منها كباصات النقل السريع والقطارات بأنواعها وعدم إمكانية الاعتماد عليها من ناحية الوقت وغير ذلك من الأمور. ونحن هنا بصدد بيان أوجه التقصير في الخدمة المقدمة ليصار إلى تحسينها وتطويرها أو حتى تعزيزها لتصبح كثقافة يومية معتمدة ومطبقة عند الجميع بغض النظر عن الحالة المادية أو الاجتماعية أو العلمية أو غيرها.