عبدالله محمد القاق
في الخامس عشر من الشهر الجاري صادفت ذكرى نكبة فلسطين، والتي حلت بالفلسطينيين قبل ستة وستين عاما، في وقت احتفلت اسرائيل منذ ايام »بعيد الاستقلال« المشؤوم والمتميز بالاستيلاء على الارض الفلسطينية بدعم من بريطانيا والقوى الاستعمارية الاخرى خاصة بعد احتلال اسرائيل ايضا في عام 1967 لكل من شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية وجزء غير قليل من الاراضي الاردنية والتي ما زالت تداعياتها قائمة حتى الان بالرغم من مرور هذه السنوات الطويلة على النكبة والنكسة ايضا.
وخلال هذه الحقبة وقعت خسائر كبيرة بالفلسطينيين ومجازر عديدة اقدم عليها الاسرائيليون حيث نهبوا وسلبوا الاراضي الفلسطينية وشردوا سكانها ولا سيما قرية دير ياسين والتي قتل خلال هذه الحملة الظالمة من الفلسطينيين ما ينوف على ثلاثمائة فلسطيني، فضلا عن مذابح اخرى جرت في السموع والدوايمة وكفر قاسم وقبية بالاضافة الى ما ارتكبه شارون بدعم الكتائب اللبنانية بقتل وتدمير العديد من ابناء المخيمات في تل الزعتر وكذلك في عين الحلوة وغيرها من المناطق.
وقد حصل خلال الحرب عام 1948 هدنة اولى من 11/6- 8/7/1948 تنفيذا لقرار مجلس الامن الدولي وهدنة ثانية في الثامن عشر من شهر حزيران في نفس العام حيث قامت اسرائيل باستغلال الهدنة لتوسيع المناطق التي احتلتها في السابق متجاوزة حدود التقسيم فسعت الى احتلال النقب واخراج القوات المصرية منه وفتح منفذ الى العقبة واحتلال الجليل الاعلى وفي ضوء الهدنة الثانية التي عقدت دون اجل مسمى بدأ وسيط دولي اتصالاته لعقد اتفاقية لهدنة دائمة، حيث بدأت المفاوضات في جزيرة رودس في 13/1/1949 وانتهت الى توقيع اتفاقات دائمة بين اسرائيل وكل من مصر في 24/2/1949 ولبنان في 23/3/1949 والاردن 3/4/1949 وسورية 20/7/1949 . وقد انتهت هذه الحرب المؤلمة بزيادة مساحة اسرائيل الى الثلث، حيث استولى الجيش الاسرائيلي علاوة على ما كان مخصصا لها في قرار التقسيم على القدس والجليل الغربي ويافا واللد والرملة وعكا. واصبحت مساحة الاراضي التي احتلتها واسعة من مجموع مساحة فلسطين البالغة 323.26 كيلومترا .
وفي تقرير نشرته صحيفة هآرتس مؤخرا اشارت فيه الى ان الوكالة اليهودية اعدت مشروعا لمحاصرة الفلسطينيين في اسرائيل ومنعهم من النمو الطبيعي وتشجيع اليهود من الدول الغنية على تملك بيوتا واراض في اسرائيل حتى لو لم يهاجروا اليها او يسكنوا فيها ... وبدأت هذه المؤسسات الدولية في ضوء اعلان الوكالة الى منح كل اليهود في العالم مزايا عديدة للاسهام في اقامة مجموعات استيطانية متكاملة في الاراضي الفلسطينية وخنق اي تمدد لها فضلا عن الاجراءات الاسرائيلية بمصادرة الاراضي حيث ان طلب الصانع عضو الكنيست قدم في العاشر من شهر ايار 1998 اتهاما ضد اسرائيل لمصادرتها اراض في النقب وتخطيط شارون انذاك لاسكان 5.2 مليون يهودي في الجنوب.
ولا شك ان المؤامرة الحقيقية على فلسطين قد ولدت في عام 1917 فوعد بلفور الصادر ذلك العام هو اول وثيقة تعترف بالحق الصهيوني وجردت الفلسطينيين من حقوقهم الكاملة.
قد جاء وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ليكون الجانب العملي لوعد بلفور بعد ان اخذ الصهاينة على عاتقهم اغراق فلسطين بالمهاجرين الصهاينة.
ولا شك ان القرار رقم »194« هو الذي نص على حق العودة للاجئين والحق في التعويض لاولئك الذين يختارون عدم العودة وان يعوض عن الخسائر والاضرار والممتلكات وفقا لمبادئ القانون الدولي والعدالة في حين ان هذا القرار اغفل حق التعويض عن استثمار الاراضي من قبل اليهود طيلة الخمس والخمسين الماضية.
وبالرغم من ان قرارات مجلس الامن 242و 338و 194 في شأن الفلسطينيين تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة الى اوطانهم الا ان اسرائيل عبر نظامها العنصري الذي يعود لاصل استعماري ترفض كل هذه القرارات بدعم من الولايات المتحدة الاميركية حيث صدر اكثر من مائة قرار من مجلس الامن الدولي دون ان تنفذها اسرائىل وتلقى دعما مستمرا من اميركا لاعمالها العدوانية ضد الفلسطينيين وترفض الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بالرغم من اعتبار الامم المتحدة الفلسطينيين ان من حقهم.. تقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة.
ولعل قيام الثورة الفلسطينية في 1/1/1965 كان الحدث الاهم في نضال الشعب الفلسطيني ولو لم يكن ذلك لاندثرت القضية الفلسطينية ولطمست معالم الحركة النضالية بعد ان تشتت شعبها وبالرغم من الاعمال الاجرامية التي يقوم بها شارون وغيره من رؤساء الوزراء الاسرائيليين السابقين ضد الفلسطينيين، الا ان انتفاضة الشعب الفلسطيني المستمرة تؤكد الحرص والتمسك بالثوابت الفلسطينية وترسيخ كيان الدولة والشعب الفلسطيني الموحد بالداخل والخارج. وهذا التمسك دفع الفلسطينيين كما نشاهد يوميا الى سلسلة من مراحل النضال والتضحيات منذ بدء انطلاقة الكفاح المسلح ومعركة الكرامة وحصار بيروت عام 1982 والذي استمر 88 يوما.
وبالرغم مما تواجهه السلطة الفلسطينية من اعمال لا انسانية ومجازر من قبل نتنياهو وشارون واولمرت والقادة العسكريين ضد الفلسطينيين الا ان السلطة حققت الكثير من المكاسب على الارض واستطاعت ان تنتزع اعترافات دولية تفوق بكثير الاعترافات باسرائيل واصبحت لها مكانة دولية كبيرة بالرغم من محاولات اميركا واسرائيل بازاحة الرئيس الفلسطيني عن مهامه وصلاحياته وفي هذه الايام التي تصادف ذكرى مؤلمة على اغتصاب فلسطين واراض عربية فاننا نتفاءل بالمعاني الكبيرة التي جسدتها الانتفاضة الباسلة التي مثلها الكفاح الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة مسيرته النضالية في بداية العشرينيات من القرن الماضي واوجدت نقلة نوعية في مقاومة الاحتلال حيث اسقطت كل المفاهيم السابقة عن القوة العسكرية الاسرائيلية بالمقاومة الباسلة في جنين وقطاع غزة وطولكرم ونابلس وبيت لحم والخليل وغيرها والتي طالما تفاخر بها الاسرائيليون واستطاعت هذه الانتفاضة ان تنقل القضية الفلسطينية عربيا ودوليا الى بؤرة الاحداث في العالم..رئيس تحرير جريدة سلوان الاخبارية