الشاهد - تضم جنبات مخيم البقعة العديد من القصص التي توثق صورا حقيقية لأسر تجرعت مرارة اللجوء والفقر والحرمان، وأجساد نخرتها أمراض مزمنة حتى بات لكل منهم حكاية.
ففي منطقة القدس بالمخيم، تبدأ حكاية الخمسينية أم علاء التي أصيبت بفيروس معدٍ، ولحين اكتشف الأطباء علتها العام الماضي كان جزء من كبدها قد تشمع وأصابه قصور في وظائفه، جعلها تقيم في مستشفى الجامعة الأردنية أكثر من إقامتها في منزلها المتواضع في المخيم “الأكبر” الذي يبعد حوالي 22 كيلومترا عن العاصمة عمان.
“هد حيلي المرض ولجمني حتى عدت ما بقدر أصرخ من الوجع، يشهد الله إني من الصابرين على هذا البلاء”، على حد تعبير أم علاء التي تتعالج أيضا من سكري مرتفع في دمها والتهابات شديدة في المسالك البولية حتى امتد الألم الى كليتيها.
تحاول أم علاء أن تتكئ على كتف زوجها كلما انهار جسدها، لعلها تصل الى مستشفى “الجامعة” للتخلص من سوائل متجمعة في تجويف بطنها (استقساء البطن) بحجح 8 – 16 لترا.
ومن فصول الحكاية لهذه الأسرة العفيفة، عجز جسدي ونفسي أصاب معيلها الوحيد أبو علاء الخمسيني، فقد أكدت تقاريره الطبية الصادرة عن وزارة الصحة أن “نسبة العجز بلغت 80 % لإصابته بانزلاق غضروفي في ظهره وتوتر شرياني شديد، وقرحة اثني عشر مزمنة، وشدة إبصاره باتت ضعيفة”.
ورغم ذلك، لم يخضع أبو علاء لـ”قساوة” تقاريره الطبية حتى لا تخفت عزيمته وتمنعه من الهرولة بين مستشفيات ومراكز صحية حكومية لعلاجه وعلاج زوجته من أمراض باتت تفتك بجسدها أمام عينيه.
“توفير لقمة العيش قاسية حتى أطعمي أولادي وأسكت جوعهم” وفق أبو علاء الذي لم يتمكن من تسديد فواتير مياه تراكمت عليه حتى بلغت 158 دينارا وإيجار منزله الذي يبلغ 150 دينارا وكل ما يتقاضاه 200 دينار راتبه التقاعدي من الضمان الاجتماعي والمتبقي من ميزانيته الشهرية 50 دينارا فقط، فبات يلجأ إلى الاقتراض ممن حوله.
أما تفاصيل حكاية أبناء أبو علاء، فطالت ابنه محمد (19 عاما)، عندما قلب مرض السمنة المفرطة حياته رأسا على عقب، فقد بدأت معاناته عندما أصيب بها في سن المراهقة وزاد وزن جسمه على 140 كيلوغراما حرمته من حقه بالتعليم وحتى الخروج من باب منزله أو حتى أصبح ارتداء ملابسه وحده مهمة شبه مستحيلة.
عندما كان محمد في سن 16 عاما من عمره لم ينصح أطباء مستشفى البشير الحكومي بإجراء عملية “قص معدة” للتخلص من مرضه المزمن بسبب صغر عمره، وكبر محمد جسديا وكبرت معه هموم والديه بعد أن فقد السيطرة على وزنه “وأصبح عاجزا بنسبة 80 %”، حسب التقارير الطبية الرسمية.
أما مهمة اللجنة الطبية في مستشفى الحسين في عين الباشا فاقتصرت على منح الشاب تقريرا طبيا للحصول على معونة شهرية بلغت 50 دينارا من صندوق المعونة الوطنية حصل عليها “بشق الأنفس” الشهر الماضي.
ورغم مرضه، ووصمة مجتمعية لاحقته كلما حاول السير على قدميه بحثا عن عمل لمساندة أسرته ماليا، يحاول محمد جاهدا البحث عن عمل، غير أن أغلب أصحاب المحلات والتجار رفضوا استقباله بسبب “سمنتي واضطراب في دقات قلبي”، على حد تعبيره، مضيفا بحزن شديد “لدي أفكار كثيرة تتزاحم في عقلي تدفعني لأتحول الى إنسان ناجح فأنا بحاجة الى من يدعمني”.
حلم بسيط لشاب يكبّله المرض ويحول دون ولوجه أبواب الحياة الاجتماعية والعمل فيها بشكل لائق، اذ ان “بسطة خضار في أحد أزقة المخيم بالقرب من منزله أو في حسبة الخضار الرئيسة قد تغير نمط حياته للأفضل وتدر عليه دخلا يوميا جيدا”.
ونهاية الحكاية: أسرة تدعو أصحاب الأيدي البيضاء لانتشالها من براثن الفقر والشقاء، عن طريق توظيف ابنهم البكر بعمل منتظم كونه يعمل بين فترة وأخرى عامل مياومة في مخبز بمنطقة عين الباشا، بأجر بسيط بالكاد يكفي نفقاته الخاصة، ومساندة ابنته معنويا التي تعيش معهم بعد أن رفضت أن تلبس ثوب زفافها الأبيض لتساند والدتها في مرضها. (الغد)