د. محمد طالب عبيدات
عندما وضعت تعليمات إتحادات طلبة الجامعات في بداية التسعينيات من القرن الماضي كان الهدف الأساس منها بناء الشخصية الطلابية المتكاملة الواعية للمصلحة الوطنية الأردنية وقضايا أمتها، وتعزيز الإنتماء للجامعة والوطن والأمة، وتوثيق الصلة بين الطلبة والهيئة التدريسية والعاملين في الجامعة، وتمثيل الطلبة أمام الجامعة ومشاركتهم في صنع القرار، وتبنى قضاياهم لتحقيق مصالحهم وفق تشريعات وتعليمات الجامعة، والعمل على توفير أبجديات الجو الديمقراطي للحوار وإحترام الرأي والرأي الآخر، والعمل على وحدة الصف وتوثيق عرى الوحدة الوطنية ونبذ النعرات الإقليمية الضيقة وغيرها، على أن يتم ذلك من خلال ممثلي الطلبة الذين يتم إنتخابهم كل عام مع بداية الفصل الثاني الدراسي. وتأخذ الجامعة على عاتقها ممثلة بعمادة شؤون الطلبة ومشاركة مع الطلبة أنفسهم إدارة العملية الإنتخابية والإشراف عليها ضماناً للنزاهة والشفافية والحيادية.
وهذا موسم إنتخابات إتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية الرسمية حيث جرت الإنتخابات لفرز ممثلي المجالس والهيئات الإدارية لإتحادات الطلبة في الأسبوعين الأخيرين في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية وجامعة اليرموك والحبل على الجرار، وكانت الجامعات وقتئذ تعُجّ باليافطات والشعارات الإنتخابية البرّاقة وصور المرشحين في لوحات فنية ولا أحلى –وإن كان مُبالغ فيها صرفاً مالياً وسقوفاً بالشعارات-، وكانت الأعراس الديمقراطية قمّة في الروعة ونموذج في التنظيم، وكان الحراك الطلابي الإجتماعي لكسب الأصوات الإنتخابية في قمّته، وكانت لقاءات الإقناع بالمرشحين واضحة للعيان في ممرات وقاعات الجامعات، وكانت العمليات الإنتخابية منضبطة لدرجة كبيرة ولا أقول بالمطلق لأن الكمال لله وحده، وكانت نسب الإقتراع عالية نسبياً وأعلى من مجلس النواب إذ تراوحت بين 56% في بعض الجامعات إلى أكثر من 70% في جامعات أخرى لدرجة وصول نسبة إقتراع إلى 100% في بعض الأقسام كنتيجة حتمية للتنافسية العالية وحدتها، وكانت النتائج بأن تم فرز مجالس الطلبة بطرق ديمقراطية ناجحة كتدريب ودرس للطلبة صوب ولوج الحياة المدنية والديمقراطية كنهج حياة.
الخريطة الإنتخابية الطالبية غالباً ما تأخذ منحاً سياسياً بوجود ثلاثة تيارات: يميني ممثلاً بحزب الإخوان المسلمون ويساري ممثلاً بالقوميين وغيرهم ووسطي ممثلاً بالتيار الوطني والطلبة المستقلون، وجميعهم لديهم إنتماءات حزبية خارج حدود الجامعة، وهذا بالطبع يشكّل حراكاً حزبياً أيضاً على سبيل تنشيط وتغذية الأفكار الحزبية والبرامج الطالبية التي من المفروض أن تُستغل لخدمة الجامعة وطلبتها، لكنه مع الأسف لم يتم سوى من خلال دعم المترشحين مالياً والذي وضع على حجم الدعاية الإنتخابية ومساحة صورهم الشخصية كبيرة الحجم.
صحيح أنه ربما يشوب العملية الإنتخابية بعض التشنّجات العشائرية هنا وهناك، وبعض الإقليميات الضيقة، وبعض الممارسات الفردية من بعض الطلبة تؤجّج الوضع ليحتدم التنافس بين الطلبة، وبعض قضايا المنازعات على أماكن تثبيت الدعاية الإنتخابية وغيرها من التصرفات ربما الصبيانية، إلّا أنه لا يمكن بل ومستحيل أن يقبل أحد بصدقية إدعاء بعض الجهات بالتشكيك بنزاهة الإنتخابات الطالبية والتي تجري على مرأى من الطلبة أنفسهم وبإدارتهم ولا يغادرون صناديق إقتراعها!
بصراحة مطلقة عادة بعض الأحزاب دوماً التشكيك في صدقية وشفافية الإنتخابات ويرمون تصريحات إعلامية إستباقية على سبيل التشكيك بالإنتخابات ونزاهتها وإتهام الجهات المشرفة عليها وكيل التهم الجزاف لها، وأعجب لماذا يتم ذلك؟ أليس الأولى الإعتراف بالنتائج وبروح رياضية تحترم التنافسية الشريفة؟ كما وأليس الأولى ترتيب بيوتهم الداخلية بدلاً من رمي الآخرين بالحجارة؟ ومتى سنمتلك ثقافة الإعتراف بالآخر وحقه بالتمثيل؟ ومتى سنُقرّ بتقدم وإنجازات هذا الوطن الذي يُقرّ العالم كله بها؟ أم أن بعض الجهات تعوّدت على التغريد خارج السرب للكسب الرخيص للشارع على حساب الوطن؟ وأسئلة كثيرة في هذا الصدد.
وإن كان هنالك حراك إجتماعي وسياسي طالبي إلّا أننا لم نلمس برامجية مطروحة على الأرض للمترشحين، على الأقل تعكس أفكار أحزابهم المنتمين إليها، ولم نلمس أي حوار فكري منظّم بين الطلبة يدور حول قضايا معينة على سبيل المثال ما يُطرح حالياً بإدخال الحزبية للجامعات –والذي أنا ضده وأخالفه تماماً- أو التخصصات الجامعية المطلوبة والمشبعة والراكدة أو مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل وغيرها.
خلاصة تجربتنا في الإنتخابات الطالبية الجامعية والتي ناف عمرها عن العشرين عاماً تتقدّم بإطّراد صوب نمذجة حياة مدنية وديمقراطية طالبية نعتز بها، وتساهم في بناء الشخصية الطالبية المتكاملة والمثقّفة والواعية، وتحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها، بالرغم مما يُطلقة المشككون من دعايات هدّامة لا تمتّ للحقيقة بصلة! لكننا في ذات الوقت نُقرّ بأن الإصلاح يجب أن يطالها في بعض الجوانب وفقاً للرؤى الملكية السامية.