الشاهد - نساء الأردن ينتفضن على "شرف العائلة"
الشاهد - محمد فضيلات
تُلاقي عشرون من نساء الأردن حتفهن سنوياً دفاعاً عن "شرف العائلة"، فيما تُقتل أخريات بصمتٍ من دون أن توثق السجلات أرواحهن. يُخفق الضغط الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني عن وضع حدٍ للجريمة، وتواجَه بالرفض محاولات تغيير القوانين التي تحمي مرتكبي الجرائم. وتقابل الناشطات ضد الجريمة بنقد يصل إلى حد اتهامهن بإشاعة "الفاحشة"!
جغرافيا الجريمة
تكشف إحصائية غير رسمية للجرائم المرتكبة خلال الفترة الممتدة بين العامين 2000 و2010 تصدّر العاصمة للقائمة بواقع 37 جريمة، وعمان هي الأكثر مدنيّةً وبعداً عن العشائرية، وتسكنها أغلبية أردنية من أصول فلسطينية. تليها محافظة اربد (69 كيلومتراً شمال عمّان) بواقع 24 جريمة، وهي تمتاز بخليط أردني فلسطيني ينحاز للمدنية. وتنخفض الجرائم في محافظات تعتبر أكثر بداوةً وعشائرية، غالبية سكانها من الشرق أردنيين. وفقاً للإحصائية، سُجل في محافظة الكرك (120 كيلومتراً جنوبي عمّان) 13 جريمة، فيما تنخفض إلى سبع الجرائم في محافظة معان (216 كيلومتراً جنوبي عمّان). وسجلت الفحيص (8 كيلومترات غربي عمّان) ذات الأغلبية المسيحية، جريمتين. وتوزعت بقية الجرائم (قاربت 200 جريمة) بنسب متفاوتة بين مناطق المملكة. وتظهر جغرافيا الجريمة تخطّيها لعوامل الحداثة والدين والأبعاد الاجتماعية والعرقية. غير أن الكثافة السكانية وفعالية الضابطة العدلية تعتبر عوامل رئيسية في تباين أعداد الجرائم جغرافياً، فنجدها مرتفعة في العاصمة التي يقطنها ثلث سكان الأردن وتنشط فيها الضابطة العدلية، وتنخفض في المحافظات الأقل كثافة والتي تحكمها العقلية العشائرية الساعية إلى التعامل مع جرائم الشرف بعيداً عن الضابطة العدلية وأروقة القضاء، خوفاً من وصمة العار.
الشرف اولاً
تؤسس النظرة المجتمعية للمرأة لجرائم الشرف. تكشف دراسة أجراها "مشروع التمييز الثقافي والقانوني نحو الفتاة الطفلة في الأردن" العام 2011، وشملت الفئات السكانية الرئيسية (العاصمة، الزرقاء، اربد، المفرق، العقبة، والكرك) أن 80.9 في المئة من الأهالي المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن حماية الأنثى تعني حماية شرف العائلة. وتظهر الدراسة نتائج صادمة تجاه موقف المجتمع من المرأة، الذي يرى 55 في المئة منه أن الفتاة بحاجة إلى مرافقة من أخوتها الذكور عند الخروج من المنزل، ويعارض 66 في المئة أن تُعطى الفتاة الحرية نفسها للخروج من المنزل مثل أخيها من العمر ذاته. ويعارض 49 في المئة منهم أن تلعب الطفلة الفتاة خارج المنزل في وقت فراغها. ويقول 29 في المئة من المستطلعة آراؤهم إن الفتاة مهما تعلمت فمصيرها الزواج. وحسب الدراسة، فإن مصدر قناعات 29 في المئة هو العادات، و25.1 في المئة يعتقدون أن قناعاتهم تنبع عن مواقف شخصية، بينما يرجع 16 في المئة قناعاتهم الى العوامل المجتمعية، و15.5 في المئة إلى الدين.
جناه يحميهم القانون والمجتمع
تحمي القوانين في الأردن مرتكبي جرائم الشرف. يصطدم الضغط الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني بالمؤسسة التشريعية التي تقف سداً منيعاً أمام محاولات تغيير القوانين. مجلس النواب الأردني تراجع في العام 2011، تحت ضغط المجتمع، عن إقرار المادة 76 من القانون المعدل لقانون العقوبات المؤقت، والتي تقضي بأنه "لا يجوز استعمال الأسباب المخففة في جرائم الاعتداء"، مواصلا بذلك حمايته لمرتكبي جرائم الشرف المستفيدين غالباً من الأسباب المخففة للإفلات من عقوبة رادعة.
في جرائم "الشرف"، تبين المادة 340 من قانون العقوبات الأردني الأسباب المخففة للعقوبة، حيث "يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً أو اعتدى عليها أو عليهما اعتداءً أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة".
تحصر المادة الشروط الواجب توافرها لإعمال العذر المخفف في عنصر المفاجأة، وبأن تكون مرتكبة جريمة الزنا في حالة التلبس. تَوافُر الأسباب والشروط تخفض عقوبة الجاني، ووفقا للمادة 97 من قانون العقوبات تنخفض في الجناية الموجبة للإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد إلى الحبس سنة على الأقل. ووفقا للمادة ذاتها، فإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى، كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وإذا كان الفعل جنحة فلا تتجاوز العقوبة الحبس ستة أشهر أو الغرامة خمسة وعشرين ديناراً.
إصرار المؤسسة التشريعية على عدم إسقاط الأسباب المخففة في جرائم الشرف، دفع بالمؤسسة القضائية إلى التشدد في تطبيق "الأسباب"، لا سيما ان غالبية الجرائم لا تنطبق عليها المادة 340 من القانون. وتظهر دراسة أجراها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في العام 2010 أن 78 في المئة من المجرمين لا يستفيدون من العذر المخفف. لكن كيف يفلتون من العقاب الرادع؟ بحسب الدراسة فإن 70 في المئة من المجرمين يستفيدون من إسقاط الحق الشخصي لذوي المقتولة، الأمر الذي يوفر لهم الحد الأدنى من العقوبة، وهو إسقاط يدلّل على موافقة أسرية على الجريمة التي تظهر الدراسة أن الأخوة يشكلون 69 في المئة من مرتكبيها.
الانتفاضة
ناشطات في مبادرة "لا شرف في جريمة الشرف" ينشطن منذ سنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإيجاد رأي مناهض للجريمة، ويوثقن الجرائم وقصص الضحايا والمجرمين، هالهنّ أن تمضي السنوات والنتيجة "مكانك راوح" فاخترن "الثورة"، وتظاهرن مشكّلات سلسلة بشرية رفعن خلالها شعار: "ذبحتونا بشرفكم". وإن واجهن هجوماً عليهن، في الواقع والفضاء الالكتروني، بعبارات ليس أقلها أنهن... "فاجرات"، فهن لن ييأسن.(السفير العربي)
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.