ماهر ابو طير
المحنة التي يمر بها العالم، ليست محنة سهلة، ونحن جزء من هذا العالم، والكلفة سوف تتنزل على كل الشعوب، دون استثناء في هذه الحرب العالمية الكبرى.
كل المخاوف التي نعيشها في الأردن، يجب أن لا تلغي الصور الإيجابية، التي رأيناها في الأزمة، من العسكري الذي أعطى حصته وحصة رفاق السلاح من الخبز والبسكويت والحليب لسيدة خرجت بحثا عن الخبز، مرورا بالشرطي الذي أصر على أن يدفع حساب سيدة عجوز من الخضراوات برغم دخله المحدود، ويوصل أغراضها إلى سيارته، وصولا إلى الطبيب والممرض وكل العاملين في القطاع الصحي الذين يغامرون بأرواحهم من أجل الناس.
السلبيات التي رأيناها تحدث في كل شعوب العالم، فهي ليست أردنية وحسب، ولعل الذي رأيناه يومي الأربعاء والخميس يدل على أن كثيرين لديهم الاستعداد للالتزام بالقوانين، حيث وقف عشرات الآلاف في طوابير منظمة، واستعملوا الكمامات والأكف الواقية، ولم يزاحموا أحدا، وهذا يثبت أن الناس إذ أدير الموقف جيدا، يتعاونون إلى حد كبير، لكن سوء الإدارة في مرات يؤدي إلى سوء ردود الفعل.
في هذه الأزمة علينا أن نعترف أننا أمام حرب، ولا يعقل أبدا أن تبقى إدارة البيوت من حيث الإنفاق، وطريقة تدبير شؤون الغذاء كما هي، حتى لو توفر المال، وتوفر الغذاء في الأسواق، لأن الأزمة عالمية، وتضرب أيضا قطاع الغذاء والتصدير والاستيراد، وتدفق السلع في العالم، فوق أنها قد تؤدي إلى غيابها أو رفع أسعارها عالميا، وهذا يعني بكل بساطة أن التقشف يحمي البيوت، الى حد كبير، فلا أحد يعرف سقف هذه الأزمة وإلى أين ستصل الأمور في هذا العالم؟!.
لا يمكن أن يكون الإنسان طبيعيا، إذا لم يتذكر غيره، وبرغم حظر التجوال، إلا أن تذكر الجار، في الحد الأدنى، أو من تستطيع أن تصل اإيه، أمر مهم جدا، فالظرف حساس، وهناك أيتام ومساكين، فوق أكثر من مليون شخص بحاجة إلى مساعدة، من المتعطلين عن العمل، وأسمع قصصا عن أفراد في الأردن، يشترون مؤونة لبيوتهم، ولجيرانهم، ولو في الحد الأدنى، وأعرف طبيبا في عمان، يسكن حيا شعبيا، ذهب إلى المحل التجاري في الحي، وقام بتجهيز عشرات الطرود الغذائية وطلب من صاحب المحل توزيعها على اكثر من خمسة وعشرين بيتا فقيرا في ذات الحي، ومثله كثيرون يساعدون بصمت.
هذه أزمة تجعلك تتذكر النعم الكبيرة التي كنا نجحد الله فيها، فوق النعم الصغيرة التي لم نكن نفطن إليها، تذكرناها ونحن في حالة حظر التجول، وكان الواحد منا، يتأخر عن زيارة والده أو والدته، وبعضنا يؤجل زيارته كل يوم إلى اليوم التالي، أو الأسبوع اللاحق، لكنه اليوم غير قادر نهائيا على أن يصلهما، وكأنها تلك النعمة المفقودة، التي لا نعرفها إلا متأخرا.
كنا نرى سيارات النقل الصغيرة، وهي تجمع أطنان الخبز من الحاويات، من أجل بيعه لمربي الماشية، وكان عاديا أن يرمي الناس الخبز، بعد أن يشتروا أكثر من احتياجهم، وإذ تأتيهم الأيام، فيرسلون برقيات الاستغاثة من أجل كيلو خبز واحد، بعد أن كانت عائلات كثيرة ترميه في الحاويات، دون أن تقدر نعمة الله علينا.
حتى الزحام والتذمر، وإطلاق الشتائم الصباحية، والشعور باليأس، والتعب من العمل، وتمني يوم إجازة، كلها تكشف أنها من نعم الله، اليوم، فوق حرية الحركة، والتنقل، والحياة دون قلق أو خوف، على عائلتك أو أطفالك، بل وتذمر كثرة من دخولهم، وقد صار كثيرون بيننا اليوم، بلا دخول نهائيا، أو تدنت دخولهم الى حد كبير، أمام هذا المشهد الذي يعصف بكل العالم.
القصة ليست قصة وعظ وإرشاد، لكنها مناسبة لتذكّر نعم الله الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ومن بين النعم الكبيرة صلاة المسجد الذي يهجره أغلبنا، فلم نتذكره إلا مع عبارة “صلوا في بيوتكم” فتسأل نفسك أين كنا طوال هذه السنين، من نعمة الصلاة في المساجد التي لا نعرفها إلا يوم الجمعة، وماذا يفيد التباكي اليوم؟!.
التأمل على هامش قصة الوباء، مفيد جدا، لكن الصراحة تفرض أن نقول إن الأيام والشهور المقبلة في كل العالم، ستكون مختلفة تماما، على كل الأصعدة.(الغد)