د. محمد طالب عبيدات
التعليم بشقيه العام والعالي مفاصل مهمة ومضيئة في مسيرة الدولة الأردنية، لأن فيه استثمارا للقوى البشرية التي فوق الأرض، وهذا الاستثمار هو بترول الأردن لأننا ببساطة لا نمتلك الموارد الطبيعية بل الموارد البشرية الكفؤة والمدربة والتي هي رأس مالنا الحقيقي، وأثبتت الأيام ذلك، ولولا جودة التعليم لما انتشر الأردنيون في سوق العمل الإقليمي والعالمي.
والتوجيهي الأردني كان –وسيبقى بحول الله تعالى- مؤشر الجودة العادل للتعليم لأنه يشكّل الرابط بين مخرجات التعليم العام والتعليم العالي، وهو الذي يحدد توجهات الطلبة التعليمية وميولهم ورغباتهم، وهو منارة تربوية وطنية تشكّل مفصلاً رئيساً في حياة الشباب صوب الدراسة الجامعية ورسم ملامح مستقبلهم.
ولقد تعرّض هذا الامتحان –وخصوصاً في العام الماضي- إلى طعنات وضربات موجعة أساءت لسمعته المحلية والعالمية، وكانت هذه الطعنات لأسباب عدة منها التطورات التكنولوجية التي سارعت باستخدام البعض لأساليب الغش الحديثة والمبتكرة، إضافة لبعض السلوكيات التي لا تنم عن أخلاقياتنا وموروثنا الحضاري البتة سواء داخل أو خارج قاعات الإمتحان.
ولهذا فقد سارعت الدولة الأردنية بكافة أجهزتها لاسترداد هيبة الثانوية العامة، وأعلن معالي الأخ العزيز وزير التربية والتعليم حزمة من الإجراءات التربوية والأمنية وبالتنسيق مع كافة الجهات المعنية في وزارة الداخلية والأمن العام والدرك وديوان المحاسبة هدفها استرداد هيبة هذا الامتحان، فألغيت أسئلة الإختيار من متعدد وكافة أشكال الأسئلة الموضوعية، ووضعت رقابة صارمة على إدارة الامتحان وأُشرك ديوان المحاسبة في ذلك، وشُدّدت الإجراءات الأمنية إبّان دخول القاعات وخلال الامتحان، وعُزّزت قوات الأمن حول قاعات الامتحان، وشُدّدت إجراءات المراقبة والأمور الإدارية، وغيرها من الإجراءات الإحترازية التي تهدف برمتها لضبط إدارة الامتحان وتحقيق العدالة بين الطلبة واسترداد هيبة الامتحان وإضفاء سمعة عالمية طيبة للامتحان للحفاظ على منتجنا التعليمي الذي نعتز به.
أجل نشدّ على أيادي وزارة التربية والتعليم والقائمين عليها لإعادة الهيبة لامتحان الثانوية العامة، ونتجاوز كلام البعض بأن هذه الإجراءات الإدارية التي تم اتخاذها هي أمنية أكثر منها تربوية، على سبيل تحقيق الغاية الأسمى ولأجل ضبط معايير جودة الامتحان والعدالة والمساواة والمحافظة على هذا المنجز التراكمي الوطني.
وبالطبع لا يمكن أن يُكتب النجاح لإجراءات وزارة التربية والتعليم دون إيمان طلبة التوجيهي وأهليهم بها وأنها لصالحهم في كل الأطر، ولهذا فإن المطلوب من الطلبة وذويهم التعاون مع الأجهزة الرسمية في هذا الصدد وإعطاء القوس باريها صوب مخرجات إعادة هيبة التوجيهي وسمعته العالمية التي هي في صالح الطلبة وبالتالي الوطن على السواء.
فالأردنيون الشرفاء يحق لهم أن يفخروا بوجود امتحان الثانوية العامة لطلبة المدارس ليضبط جودة التعليم والكفاءة المدرسية للطلبة والمدارس ممثلة بمدرسيها وبيئتها التعليمية وإدارتها على حد سواء، ويحق لهم أن يكون هذا الامتحان مفصلاً رئيساً للاعتزاز الوطني، ويحق لهم أن يكون هذا الامتحان شفافاً وموضوعياً وعلمياً وعادلاً، وأن يحق الحقوق للطلبة بنسبة عالية جداً، وأن يكون مؤشراً ومقياساً نوعياً لمخرجاتنا التعليمية في المدارس ويمحص الغث من السمين، وأن يُنصف نظامنا التربوي الأردني ويعطيه مصداقية وجودة عالية وعالمية، نظراً لما تتمتع به وزارة التربية والتعليم من مؤسسية الأداء والإنجاز والطرح في إستراتيجياتها كافة ومنها امتحان الثانوية العامة، وذلك تحقيقاً لرؤى جلالة الملك المعزز صوب تجويد التعليم وعدالة التقييم لمخرجاته.
لقد حقق الطلبة الأردنيون إنجازات تراكمية ومراتب متقدمة يشار لها بالبنان في الجامعات الأردنية أو العربية أو الأجنبية بين أقرانهم من خريجي المدارس العربية أو الأجنبية الأخرى، وبالطبع فان طلبة الجامعات وزملائي أساتذة الجامعات التي تحوي جنسيات مختلفة يلمسون ذلك بوضوح وبشفافية مطلقة؛ ما يؤشر على أن منجزنا التربوي بخير وسمعته العالمية مرموقة وجودته عالية في خضم العولمة والعالمية والتنافسية التي نعيشها في هذه الأيام، لكن المطلوب هو المحافظة على هذه الجودة والسمعة الطيبة والرًقي بها دون اعتبار الإجراءات المتخذة للوصول إليها بأنها مرعبة أو فوبيا حكومية، مع خالص أمنياتنا لأبنائنا الطلبة المتقدمين للامتحان وأهليهم بالتوفيق. * وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق