أ. د. فيصل الرفوع
بالرغم مما يحصل في الآونة الاخيرة من شد وجذب ، فيما يتعلق بالعلاقة بين المفاهيم السلمية للحراك الشعبي والتعبير عن الرأي، إلا أن الأمر بقي في حدود قواعد اللعبة السياسية التي حكمت العرف السياسي في الأردن منذ تأسيس الإمارة عام 1921 الى اليوم
لأن الجميع يعلم بأن خروج اللعبة السياسية عن مسارها الوطني و سلمية نهجها، كحالة الذي يحدث ثقباً في قاع السفينة وهو على متنها وهي في عرض البحر، وقطعاً سيكون مصير الجميع الغرق وهو أولهم
وأعتقد بأننا جميعاً ندرك، وعلى مدى العقود الثمانية الماضية، بأن عقلانية الحركات السياسية الأردنية أسهمت في سيادة النهج العقلاني بين مكونات الشعب الأردني وبين الحكومات المتعاقبة. ولم يسجل تأريخنا الحديث أي خروج على " مقتضيات اللعبة السياسية" ومبدأ قبول الآخر وعدم إلغائه. كما كانت، وما زالت هذه الحركات التي نجل ونحترم، سلمية النزعة في علاقتها البينية مع باقي مكونات الشعب الأردني. فهي بلا شك حركات تهدف الى رفعة الوطن ومصالحه العليا
وكذا الحال فيما يتعلق بالدولة الأردنية، فقد إستوعبت كافة التيارات السياسية والأطياف الفكرية بالحوار والإقناع تارة وبالعقلانية تارة أخرى. وبالرغم من إرتفاع سقف المطالب ، في الأونة الأخيرة ، خاصة ما يتعلق بمحاربة الفساد وإجتثاثه وبالمزيد من الكرامة والحرية- وهي مطالب محقة ومشروعة ، إلا أن ذلك لم يؤثر على سلمية العلاقة بين الدولة الأردنية والحراك السياسي، و لم يوصلنا إلى درجة الإستقطاب. ونظراً لعقلانية الجميع، فقطعاًً لن تقودنا التجاذبات السياسية إلى شبه حالة المنبت، بضم النون وفتح الباء، الذي لا أرضاًً قطع ولا ظهراً أبقى. لأن الدولة الأردنية وكل الأردنيين الغيارى على الأردن وأمته العربية، يشتركون في الإيمان بالوجه الحضاري للتعبير عن الرأي، والمبني على العلاقة السلمية البينية و الإستيعابية للجميع، و تقبل الرأي الآخر، ضمن الخيمة الأردنية التي لا يمكن لها أن تقبل القسمة إلا على واحد صحيح.
صحيح بأن ما حصل في الآونة الاخيرة، وما قد يحصل في قابل إلأيام على امتداد الوطن العربي، لا يبعث على التفاؤل. وقطعاً فإن محاولات إلغاء الآخر، وتبني الشعارات الإستفزازية، والإستعراضات السياسية، لا يبشر بخير، ويبدد أحلام كل من يؤمن بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. إلا أن الشعب الأردني وحراكه الوطني، لن يرضى بأن ينهش فيروس التمزق نسيجه الوطني- القومي و السياسي، خاصة إذا ما نظرنا إلى مآلات من حولنا.
وبالمقابل فإن الدولة الأردنية وقيادتها، ترحب بكل جهد إصلاحي تتبناه أي من الحركات الإصلاحية، ويرغب في أن يساهم في رفعة شأن الوطن ومستقبل أجياله، ومحاربة الفساد والإفساد، جذوراً وفروعاً ونتائجاً. لأن الدولة، ويشهد لها التسعون عاماً المنقضية من عمرها، لم يكن من اهدافها الاقصاء والتعدي، كما لن يكون من مرامي وجودها ظلم الأخر ومصادرة حقه في التعبير والرأي. وبالتالي فالكل على ثقة بأن الاخوة في الحراك الشعبي، أوعى وأدرك للمرحلة وأخطارها، وأقدر على المساهمة في الصلح والإصلاح، وأحرص على أمن وسلامة الأردنيين، ليكونوا خير شعب عربي، ويمثل رصيداً استراتيجياً لأمتهم العربية الماجدة.
alrfouh@hotmail.com