أ. د. فيصل الرفوع
جاءت الأمم المتحدة للوجود على أنقاض فشل عصبة الأمم في تحقيق المهام التي أنيطت بها، سواء ما يتعلق بنزع السلاح وإستتباب السلم والأمن الدوليين، اوما يتعلق بمهمتها العمرانية والإنسانية وإعاة الإستقرار للنظام الدولي. ولم يدرك منظرو مؤتمر «سان فرانسسيكو» 25/4/1945، والذين ساهموا، بشكل او بأخر، في صياغة ميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً» ونستون تشيرشل» و»هاري ترومان» و»جوزيف ستالين»، بأن عصبة الأمم لم تتهاوى أركانها بفعل صليب « أدولف هتلر المعكوف» ولا بنتائج الحرب العالمية الثانية فحسب، وإنما سقطت لولادتها بالأساس بناءً على إرادة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ولشرعنتها للاستعمار تحتى مسمى الإنتداب، وتبريرها لما يسمى بالحروب العادلة، وسهرها على تحقيق مصالح الدول الكبرى، وكذلك لمنحها حق النقض- الفيتو للدول الكبرى في مجلسها. وهذا ما تعاني منها الأمم المتحدة اليوم، والتي هي بحاجة للإصلاح، خاصة مجلس أمنها، ربما قبل إصلاح أعتى الأنظمة دكتاتورية.
فالأمم المتحدة هي من ساهم في خلق الدولة العبرية وضياع فلسطين، حيث صدر عن جمعيتها العامة القرار 182/ 2 /1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية. وهي من إعترف بإسرائيل ومنحها شرعية العضوية، بالرغم من أن ميثاقها يشترط في الدولة طالبة العضوية، أن تكون دولة محبة للسلام وراغبة فيه وقادرة على تحقيقه، وأعتقد بأن الدولة العبرية هي أبعد ما تكون عن تقمص هذه الشخصية. كما أن مجلس امنها فشل منذ عام 1948 وحتى 2013، و»الحبل على الجرار» لحل هذه القضية المستعصية، بالرغم من إصداره، وبشق الأنفس، قراري 242/1967 و338/1973، والقاضيان بحل القضية الفلسطينية على أساس ما يسمى بـــ»الشرعية الدولية». إلا أن الأمم المتحدة وعلى مدى أكثر من خمسة وستين عاماً ما زالت عاجزه عن تحقيق السلم والأمن الدوليين.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الأمم المتحدة، بشكل او بآخر، في ضياع العراق وتدميرة، كما إن مجلس أمنها ما زال عاجزاً عن توفير الحماية للفلسطينيين، ناهيك عن عدم إكتراثه، لا من قريب ولا من بعيد، بمصير العرب الأهوازيين او الإحتلال الإيراني للجزر العربية او المجازر التي تقترف بحق مسلمي بورما، او غير ذلك من القضايا التي تهم العالمين، العربي والإسلامي.
لهذه الأسباب وغيرها، وما دام حال الأمم المتحدة الراهن، لايسر الصديق ولا يغيض العداء، ومواقف مجلس أمنها، غير مشرفة لقضايانا العربية والإسلامية، فللمملكة العربية السعودية الحق في الإعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن التي فازت بها بناءً على إنتخابات جرت في الجمعية العامة في دورتها العادية الحالية وحسب ما يقتضيه ميثاقها.
وموقف السعودية هذا مبرر لأكثر من سبب، حيث لدى الاشقاء في السعودية إستقرار سياسي في نظامهم منذ ان نشأت الدولة السعودية الثالثة والقائمة. والسعودية بلد كبير في كل شيء في ارضه وسمائه وترابه وطهره ومركزه التاريخي والديني وبإقتصاده وبإستيعابه لكل الاهل والاشقاء والإخوان، يقف مع الجميع ويحرص على الجميع ويحب الجميع، ليس للسعودية اعداء، ولكن لها حزمة من الاصدقاء إنضم اليها كل بني البشر، بإستثناء أحفاد إسماعيل الصفوي. كما أن العائلة الحاكمة في السعودية ذات اصول في الفهم والإقتدار والشهامة والرجولة، ولنا معها نحن في الاردن العربي الهاشمي علاقات راقية، فيها من المحبة مما جعلها تتجاوز التقليدية.
لذا فإن الموقف السعودي يستحق التقدير والإعتزاز، حتى لو عدلت عنه، او تراجعت لمصلحة عربية او إسلامية، وقبلت بهذا الموقع بناءً على رغبة عربية. كما أن مطالبتها بإصلاح مجلس الأمن، يعتبر رؤية متقدمة في وجه إنكسار كثير من الإرادات التي كانت ذات يوم مختطفة- بكسر الطاء-، زوراً وبهتاناً، لقول الحقيقة ومدعية بالدفاع عنها، ومتقمصة لدور الواعظين....لهذه الأسباب وغيرها فإن للمملكة العربية السعودية كل الحق في إتخاذ الموقف الذي تراه مناسباً لخدمة القضايا العربية والإسلامية
alrfouh@hotmail.com