د. محمد طالب عبيدات
حملت زيارة الدولة الملكية للصين في مضامينها العديد من الرسائل الإقتصادية والسياسية والإستثمارية وحتى التكنولوجية، فهي إذ تؤطر أواصر العلاقات المتينة والراسخة بين البلدين فهي أيضاً تؤسس لعلاقات متطورة وعميقة جلّها جلب الإستثمارات التي ستساهم في حل العديد من التحديات التي تواجهها المملكة في مجالات الطاقة والنقل ونقل وتوطين التكنولوجيا. فالصين كثاني أكبر قوة إقتصادية في العالم وربما النموذج الأنجح إقتصادياً عالمياً حيث يفوق نموها الإقتصادي عشرة بالمائة، والدولة النموذج في الإعتماد على الذات وتوطين التكنولوجيا والصناعات بأنواعها، والدولة صاحبة الكم والنوع الأضخم في القوى البشرية المدربة والكفؤة، والدولة التي حجم صادراتها وتنوعها وتوزيعها جلّ كبير، والدولة صاحبة الخبرة في التنمية والإستثمار، وغيرها من الميزات التنافسية، كلّ ذلك جعل جلالته يتطلّع لتعظيم وتنامي العلاقات بأنواعها معها. الميزان التجاري ذو الحجم الذي يفوق الإثني مليار دولار يميل بالطبع لصالح الصين، والإستثمارات الصينية في الأردن والتي تفوق الثماني مائة مليون دولار يجب زيادتها بل مضاعفتها كي يكسب الأردن نمواً مطّرداً في إقتصاده الوطني، وبالطبع لن يتم ذلك وفق الرؤية الملكية سوى بتعظيم وجلب الإستثمارات الصينية للأردن والتي بدورها ستخلق فرص عمل جديدة وتساهم في حل مشكلتي الفقر والبطالة. مجالات الإستثمار الصينية بالأردن حتماً ستكون في المجالات التي تشكّل تحدياً للأردن وخصوصاً في مجالات الطاقة والمياه والنقل ونقل وتوطين التكنولوجيا، وربما تتم هذه الإستثمارات بطريقة (BOT) أي أن تقوم الصين بتمويل المشاريع وتشغيلها ونقل ملكيتها للأردن كديون طويلة الأمد، والأمثلة على ذلك كثيرة بدءأً من مشاريع توليد الكهرباء من الصخر الزيتي والذي متوقع أن تصل تكلفته لأكثر من خمس مليار دينار، في ظل تحديات حقيقية تواجه قطاع الطاقة بالأردن والتي فاتورتها تنوف عن أربع مليارات دينار سنوياً أي ما يعادل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي، إضافة للمساهمة في إجراء دراسات وبناء شبكة سكة الحديد الوطنية، وغيرها من مشاريع الطاقة المتجددة تمويلاً وبناء للمنازل والمباني الحكومية وإنارة شبكة الطرق. وتجربة تنمية المحافظات وبرامج التنمية العصرية برمتها في الصين تحتاج لنظرة تأمليه لغايات نقلها للأردن، ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه لتوزيع مكتسبات التنمية بعدالة، وتفعيل مبادرة جلالة الملك في صندوق المحافظات ووضعه موضع التنفيذ على الأرض. ونحتاج أيضاً للإستفادة من الخبرات الصينية في مسائل نقل التكنولوجيا والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والسياحة والخدمات كروافد رئيسه لإقتصادنا الوطني والتي تنوف مساهمتها عن ربع الناتج المحلي الإجمالي، وهذه القطاعات المهمة هي التي تخلق فرص العمل وهي القطاعات التي تجلب الإستثمارات حيث الميزة التنافسية والبيئة والمناخ الإستثماري المناسب في الأردن حيث الأمن والإستقرار والفرص المتاحة والتسهيلات الرائعة للمستثمرين. ولعل تجارب الصين أيضاً في إنشاء المناطق التنموية الخاصة سواء الصناعية أو التنموية يشار له بالبنان أيضاً، ونحن في الأردن بأمس الحاجة لنقل تجاربهم للبدء في الإطلاق الحقيقي لعدد من المناطق التنموية في محافظات المملكة والتي بالطبع ستدرّ علينا الكثير من فرص العمل وتعزز الفرص الإستثمارية والنمو الإقتصادي الوطني. كما أن معرض الصين والدول العربية ومعرض المنتجات الأردنية كان فرصة ولا أحلى لتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار العربية-الصينية وفرصة للإطلاع على المنتجات والمشاريع الإقتصادية والتنموية وفرصة لعرض التجربة الوطنية الأردنية وتشجيع الإستثمار وخلق فرص عمل جديدة في السوق الأردني. وفي الجانب السياسي كان للزيارة الملكية صدى كبير في هذا المضمار حيث التنسيق المشترك لحل الأزمات الإقليمية وخصوصاً القضية الفلسطينية والأزمة السورية ومساهمة الصين في ذلك من خلال إستغلال حضورها الدولي في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة. بإختصار كانت زيارة الدولة الملكية للصين مُحِقّة وناجحة بكل المقاييس وجلّ همها المواطن الأردني وخدمته من خلال جلب الإستثمارات والمساهمة في نمو الإقتصاد الوطني لخلق فرص عمل للأردنيين والمساهمة في مشاريع حيوية على الأرض ضمن الأولويات الوطنية ونتطلع إلى المزيد من هذه الإستثمارات على سبيل الرفاه