موسى الصبيحي
قال لي صديقي العربي ذات لقاء قريب، وكنّا نستعرض حال الأردن من الناحيتين الاقتصادية والديمقراطية: إن لديكم فرصاً أكثر مما تواجهون من تحديات لتحقيق النجاح المأمول واستكمال مسيرة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، ولكنّكم لا تدركون هذه الفرص، ولا تغتنمونها..!
قلت: صحيح أن الفرص موجودة وهي كثيرة، وربما أتفق معك بأنها أكثر من التحديات، ولكن في اعتقادي إن اغتنامها يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى إرساء مهابة الدولة في نفوس المواطنين، وما لم يتم ذلك لن تنجح أي محاولات أو خطط لتحقيق ما ذهبت إليه..!
ردّ صديقي: هيبة الدولة لا تتحقق بمجرد الكلام، إنها تترسّخ بإعمال القانون، وعدم التهاون في تطبيقه مع أيٍ كان، وإذا تهاونت السلطات المسؤولة في تطبيق القانون، فقد فرّطت في هيبة الدولة، وسعت حثيثاً إلى تفكيكها وخلق حالة الفوضى في أرجائها..
أجبت: ما تقوله صحيح، ولكن من المهم أن ندرك أن الوضع في وطني الحبيب، يختلف عنه في كثير من الأقطار المجاورة والمشابهة، إننا في دولة ذات اقتصاد متواضع، وواجهنا تحديات قسرية، ونحن شعب متعارِف ومجامِل، يرضى بكلمة ويسخط لكلمة، وقد يواجه الكلمة بلكمة أو العكس، لدينا نزعة عنف متأصلة، سريعاً ما نغضب، وسريعاً ما نرضى، أوضاع اقتصادنا الوطني يضغط على أعصاب المواطن والمسؤول، ومع ذلك نُفاجأ بين فينة وأخرى، بقصة مهيبة ترشح منها رائحة نتنة تزكم الأنوف، وتضغط على الأعصاب، وما يضغط أكثر ويقهر أكثر أنْ لا أحد يُدان، وأن لا جريمة في الموضوع، وإذا حصل وتمت الإدانة، نفاجأ بأن منْ تمت إدانته قد أصبح خارج الحدود..!!
قال صديقي: ما تقوله ينطبق على دول كثيرة، ولكن الصورة التي لديكم تختلف عن غيرها في أنها صورة مغايرة للآخر، والسبب هو أنكم شعب مجامل كثيراً، المسؤول يجامل الشعب، والشعب يجامل المسؤول، وكثيراً ما يكون ذلك على حساب المصلحة العامة، وهي صورة يجب أن تتغير، وإلاّ فلن تتمكّنوا من بلوغ درجات التطور المنشود للوصول إلى الدولة العصرية..
قلت: تقصد أننا نعيش في ظل دولة مجاملات، على حساب دولة القانون والمؤسسات..؟
قال: تماماً، وهذا يجب أن يتغير فوراً، هذا إذا أردتم السعي حقيقةًً لاغتنام ما لديكم من فرص وفيرة..!
قلت: ثمّة يا صديقي ألف سبب وسبب لإبقاء الحالة على ما هي عليه، وثمّة حيتان وديناصورات يهمّهم الإبقاء على هذه الحالة ضماناً لمصالحهم وحريّاتهم وهيبتهم..!
قال: إذن اتركوكم من الحديث عن الثالوث الخطر، النزاهة والشفافية والإصلاح، لأن إسهابكم في الحديث عنها تكريس للضدّ، وينطوي على تعريض مصالح الدولة للخطر.. كما أن ذلك قد يرتدّ بكم إلى الوراء نظراً لخطورة الكلمة غير المصحوبة بالفعل وإرادة التغيير..!!
قلت: أحترم رأيك يا صديقي، وأوافقك على أغلبه، ولنا جولة أخرى من حديث الدولة والقانون، ولكن قبل أن نفترق، أذكّرك بأن حوارنا كان حضارياً ونحمد الله أننا سواء اتفقنا أو اختلفنا فلن يشهر أحدنا سلاحه في وجه الآخر..!!
وختم صديقي بالقول: سمة تشكّل بداية الحل بعيداً عن الفكّ والتركيب، وعليكم أن تبدأوا بحوار الدولة والقانون بذات النهج إذا أردتم اغتنام الفرص واجهة التحديات بنجاح..
حوار أضعه اليوم بين يدي أركان الدولة: رأس الدولة أولاً، ورأسي مجلس الأمة، ورأس الحكومة، ورأس القضاء.. ولا عزاء في أحزابنا السياسية