أ. د. فيصل الرفوع
بداية لا بد من تحديد مفهوم الإسلام السياسي وتمييزه عن المعنى الشمولي لمصطلح الصحوة الإسلامية. حيث يؤكد العديد من الباحثين على أن الصحوة الإسلامية لا تعني الإسلام السياسي بشكل مطلق، فالصحوة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم لا تقتصر عليهم وحدهم، بل هي صحوة عامة أصابت المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين وحتى الوثنيين، وكل حسب عقيدته وقيمه، والتي تعني العودة إلى الجذور والتمسك بالأصول العقيدية للأمة- أي أمة. وبالتالي فهي - أي الصحوة - وبهذا المفهوم لا تقتصر على المسلمين وحدهم، بل تمتد إلى كافة البشر، مسلمين وغيرهم
والصحوة الإسلامية هي غير التنظيمات السياسية الإسلامية العاملة في الإطار السياسي العقيدي العام، سواء في العالم الإسلامي أو خارجه، والتي وصلت، إلى قطاعات شعبية واسعة، وعلى كافة مستويات الشرائح الإنسانية في المجتمعات الإسلامية، وقادت إلى دخول الكثير من غير المسلمين إلى الإسلام، وبالرغم من ذلك، فإن هناك تداخلا عقيديا بين ظاهرتي الإسلام السياسي والصحوة الإسلامية، من حيث، التفاعل الفكري، وإعتماد الظاهرة السياسية على ظاهرة الصحوة المجردة.
كما تعني الصحوة الإسلامية، معالجة الخلل الذي أصاب عقيدة الإنسان، وبالتالي فهي إرادة إنسانية ذاتية، وليس بالضرورة أن تحاول ولوج الجوانب السياسية. ويحاول هذا النهج، بداية، إصلاح الجانب العقيدي للإنسان، الذي أصابه ما أصابه من إستلاب حضاري وعقيدي، كما أنها - أي الصحوة - أشمل تأثيراً وأوسع انتشاراً من الإسلام السياسي. وما الحركات الإسلامية السياسية، إلا جزءا من فرعياتها ونتيجة عنها.
وهناك من يرى بأن الصحوة الإسلامية ليست اصطلاحاً عارضاً أو نهجاً جديداً، بل هي عملية تجديد للعقيدة الإسلامية في فترات متلاحقة منذ عصور ما بعد التابعين، ويؤكد، مصدرا، الاجتهاد والقياس، على شرعية المفهوم التجديدي لجوانب العقيدة الإسلامية، شريطة عدم المس بالأصول الأولية التي أكد عليها القرآن وأقرتها السنة النبوية.
وإذا كانت الصحوة الإسلامية، هي عملية مستمرة ومتوالية ومتطورة في مختلف الفترات التاريخية، فما هي الدوافع الكامنة وراء هذا الاهتمام. بهذه الظاهرة في العقود الأخيرة إبتداءً من « 1980 وحتى اليوم»، وتحديداً بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي، وتحول النظام الدولي، من نظام دولي ثنائي القطبية إلى نظام دولي شبه أحادي القطبية -على الأقل في المدى المنظور-؟
وما هو السبب او الأسباب وراء هذا «الصخب» الإعلامي الكوني حول ظاهرة الإسلام السياسي..؟ وللإجابة على هذا التساؤل يمكننا إستنتاج بأن أسباب الإهتمام الدولي بظاهرة الإسلام السياسي، يعود إلى معطيات عديدة، أولها، الأهمية الجيو - استراتيجية، لكل من العالم الإسلامي بشكل عام، والوطن العربي بشكل خاص، وأهمية ذلك في مجمل الاستراتيجية الكونية،؛ وثانيها، النتائج العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية التي ترتبت على الحالة الحراكية لتململ ظاهرة الإسلام السياسي الحديث والتي بدأت مع تصدر الثورة الإسلامية الإيرانية للحكم في إيران عام 1979، حيث أصبح لها حضورها في مجمل تفاعلات العلاقات الدولية، إقليمياً ودولياً؛ وثالثها، ربط الغرب للعنف بالإسلام السياسي، الأمر الذي أفرز اصطلاحاً غربياً يتمحور حول الخوف من الإسلام «Islamophobia»؛ ورابعها، عدم إدراك الغرب بأن الصحوة الإسلامية، هي حركة تجديدية في الممارسة الفكرية والعملية للإنسان المسلم تجاه الإسلام كعقيدة. وإذا كان هناك بعض الاتجاهات الإسلامية التي تتبنى «القوة» كطريق للوصول إلى الأهداف، فإن هذه الاتجاهات جاءت كرد فعل على طروحات الغرب، غير المتوازنة والبعيدة عن الحيادية للصحوة الإسلامية، وعلى رأسها طروحات،
«صموئيل هنتنغتون» وزعمه بأن الإسلام عدو محتمل، يهدد العالم كـــ«النازية والفاشية والشيوعية»؟، ويدعي كذلك أنه -أي الإسلام- هو الباحث على «ظاهرة صدام الحضارات»
لهذه الأسباب، وغيرها، جاء الاهتمام العالمي بالصحوة الإسلامية، مع عدم إدراك الكثيرين للحدود المفصلية والفاصلة بين الصحوة الإسلامية بمفهومها العقيدي غير السياسي، والإسلام السياسي بمفهومه الثوري السياسي..وللحديث بقية
alrfouh@hotmail.com