فارس الحباشنة
مستر جوجل ايرث، وجوجل عادي يعرف البترا على أنها اسرائيلية. ولربما أن جوجل ليس معنيا كنظام بحث، ولكن الأمر يتعلق بما يدخل من بيانات ومعلومات اليه.
هوية البترا التاريخية تخوض معركة لامرئية، ومسكوت عنها. البعض يتغاضى عن القضية، ويمر مرور الكرام الغافلين حتى لا يقع باحراج من هنا وهناك أمام المنظمات ومراكز الدراسات الاجنبية الممولة والمسنودة والدعومة من اسرائيل والحركة الصهيونية وأتباعها واعوانها في العالم.
اسرائيل تروج لرواية تقول ان البترا يهودية. وتعرف في المحافل والمراكز البحثية والدراسات والجامعات العالمية ان البترا يهودية، وتستقي من روايات توراتية مزورة عن حق تاريخي وديني ، ورواية تقول إن اليهود بنوا البترا، واقاموا بها عقودا طويلة.
ماكينة الدعاية الاسرائيلية كانت شغالة على الاهرامات المصرية، ومن ثم البترا. ومن يتابع السينما
والمراكز البحثية الغربية يلتقط روايات كثيرة تنتجها الماكينة الاسرائيلية عن البترا والحق الضايع، والاكاذيب الاسرائيلية التي استطاعت بمنطقها السيطرة على فلسطين والتي بدأت من تحريف وتزوير تاريخ فلسطين المحتلة: دولة بلا شعب وشعب بلا دولة، كذبة تاريخية لفَّقها اليهود، وصنعوا من ظلالها دولتهم.
محاولة التضليل والسطو على التاريخ وحضارة بلدان المنطقة لا تنقطع من اليمن الى العراق وسوريا ومصر والاردن، حملات منظمة في الاعلام والجامعات والسينما الغربية لالصاق اليهود بتاريخ المنطقة القديم، ما يضفي شرعية تاريخية على حلمهم بدولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
وان كانت اسرائيل تملك ماكينة تزوير وتحريف وتضليل تاريخي أكثر فعالية وتأثيرا في العالم، فالسؤال الهام يبقى في هذا الاطار، ماذا يمكن أن تفعل الجهات الرسمية الاردنية لمواجهة هذه السياسة الاسرائيلية المقيتة بالتزوير والتحريف والتضليل التاريخي؟
ولربما أن الجهد الدفاعي لصد الاطماع الغرائزية الاستعمارية الاسرائيلية يمكن أن يمتد بشكل أوسع لحماية البترا وغيرها من المعالم التاريخية الاردنية والعربية في المنطقة من خطاب وروايات السرقة والتزوير والتضليل الاسرائيلي.
والمواجهة قد تبدأ بتوجيه خطاب مضاد الى الرأي العام الغربي تحديدا، يفضح ويعري الروايات الاسرائيلية، ويسنده بالدليل والسند التاريخي والوثيقة والرواية الحقيقة التاريخية للبترا وغيرها من المعالم التراثية التاريخية، ولابد من التنبه الى ما يتسرب بصور مباشرة وغير مباشرة الى المناهج المدرسية والجامعية من روايات استشراقية ويهودية تحرف وتزور تاريخ المنطقة العربية القديم.
الوقاحة الاسرائيلية ليست غريبة، ولاصحاب الذاكرة القوية فان مسؤولا اسرائيليا واكاديميين خرجوا قبل اعوام يتحدثون بالفم العريض عن الحق التاريخي لاسرائيل في البترا والاهرامات المصرية، ونسبوهم زورا وبهتانا الى ارث اليهود التاريخي.
بالطبع من المعلوم كيف تدور العقلية الاسرائيلية انتاج اطماعها التاريخية بدءا بالصاق اسمها في المعلم التاريخي، ومن بعد ذلك الترويج لخطاب الحق «المنقوص والضائع « وختاما بخطاب القوة والامر الواقع والاستيلاء عليه طوعا « باتفاقيات السلام « او قسرا بقوة الاحتلال والسلاح، او ليس هذا ما يجري في القدس والحرم الابراهيمي في الخليل ؟ ولربما أن أشد من نحتاج اليه اليوم ليس لمؤرخي مناسبات ودعايات سلطوية مفلسة، فلا بد من زيادة التنبه والاهتمام بالمسألة التاريخية والبحث التاريخي حتى لا تستمر الخديعة وتكبر المؤامرة من تحت اقدامنا لنصحو يوما والبترا ليست اردنية.
فالاوطان في تحولات فقه « الجغرافيا السياسية» الجديدة تنفى وتمحى عن الخرائط بالخديعة والتضليل وتزوير التاريخ، ومن الملاحظ والمحسوس أن اقسام التاريخ في الجامعات تحتاج الى ثورة معرفية في المنهج والافكار.