بقلم: عبدالله محمد القاق
في الوقت الذي تتجه الأوضاع المصرية بعد الاحداث المتسارعة في مصر التي اسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد الى فتنة كبرى قد تقود البلاد الى حرب أهلية نتيجة اتساع الخلافات بين الاقطاب والاحزاب السياسية الامر الذي ادى الى سقوط حوالي 150قتيلا واكثر من الف جريح خلال الايام الثلاثة الماضية إذا لم يتم حسم المواقف ودرء الاشكالات عن تظاهراتها ومسيراتها واعتصاماتها إلا بعد عودة الرئيس مرسي الى الحكم مجددا والافراج عن قادتها المعتقلين فان الامل معقود على حكماء مصر القيام بدور ريادي لتجنب هذه الخلافات بين ابناء الوطن الواحد وجر البلاد الى حرب اهلية ..! هذه الاوضاع تعتبر الاخطر منذ الاطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك.. باعتبار ان هذا التدخل العسكري بخلع الرئيس المصري محمد مرسي سيؤثر على عقيدة الجيش المصري وطريقة تفكير قياداته خاصة بعد ان جعل الرئيس مرسي على رأس اولوياته احكام السيطرة على أهم مؤسسة في مصر وهي القوات المسلحة بعد اطاحته في غضون شهرين بوزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة حسين طنطاوي ورئيس الاركان سامي عنان.. ولعل من المفارقات ان الانقلابات العسكرية، كما تشير الاحصاءات تحدث في الغالب في الصيف خلال شهري حزيران وآب، وتقوم بها الاجيال الاصغر في الجيش لا الجيش وتهدف في ازالة القيادات الفاسدة وغير الكفؤة.. فالدافع لمثل هذا الانقلاب العسكري على الشرعية المصرية والذي ادانه الرئيس المرشح السابق محمد ابوالفتوح ينحو بالقوات المسلحة المصرية.. بعد ان تعرضت مؤسسة الجيش الى الخطر اثناء نظام مبارك وهو ما يفسر جزئيا عملها ضده في 2011، وستستمر هذه المخاطر مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده مصر حاليا.. فقد اكد الجيش المصري الذي يتعرض لحملات انتقاد واسعة من الاحزاب السياسية الاسلامية انه "يرى بنفسه ممثلا سياسيا مستقلا" بغض النظر عن المحاولات التي قام بها الرئيس المخلوع مرسي للحد من نفوذه، حيث اكد الجيش ان الشعب ناداهم عبر تظاهرات "30 يونيو" للقيام بدورهم الوطني حيال تفاقم الاوضاع المصرية.. متناسيا ان ما سيحدثه هذا الاجراء سيكون له ابعاد سلبية وعكسية على الاوضاع المصرية في زيادة تفاقم الاوضاع والاثارة والقتل والتخريب في شوارع مصر، فضلا عن ان الحكاية ستعيد نفسها.. ولن يهدأ الوضع المصري.. فيما لم تستطع المؤسسة العسكرية القيام بدورها بين الشعب سوى تكريس فرض حالات الطوارىء في مصر.. وتكثيف حمايتها للاماكن الحساسة المصرية في هذه الظروف الراهنة! هذا الانقلاب للجيش، والذي يعتبره البرادعي المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية تقديراً لدوره في اجهاض الثورة الشرعية، من شأنه ان يزيد حصار مصر في وقف المساعدات الاجنبية، وسيؤدي بالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى وقف برامج التعاون مع مصر كما حدث مع موريتانيا في عام 2008 فضلا عن انه سيعرض الاقتصاد المصري الهش لخطر اكبر من الحالي وبالتالي خلق مزيد من عدم الاستقرار. لقد كان الأولى بالجيش ان يستجيب لخطة الرئيس المخلوع مرسي والتي ليست بعيدة عن الخطة التي عرضها الفريق اول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري والذي قاد هذا الانقلاب بدلاً من ادخال البلاد في متاهات جديدة، تهدف الى زعزعة الاوضاع المصرية واقفال بعض التلفزيونات للمعارضة المصرية، وسجن قيادات حزب الاخوان المسلمين مما يعتبر خروجاً على الشرعية الدستورية، وهذه تحديات جديدة تواجه مصر في مرحلتها الحالية! والواقع ان الثورة المصرية التي اعلنت في 25 يناير 2011 بعد تسارع الاحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية تمر بمنعطف خطير، خاصة بعد ان وجد المجلس العسكري ضرورة الحفاظ على وجوده في التظاهرات لاعلان الحفاظ على مصالحه من خلال الحكم السياسي والعسكري بالبلاد.. وهذا ما حاول فعله في عهد الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك، حيث عمد الى تنظيم صفوفه داخل المؤسسة العسكرية والوزارات والمخابرات والاجهزة الامنية بدرجة كبيرة، مما فتح شهيته لاجراء انقلاب آخر على الشرعية الدستورية التي قادها الرئيس مرسي منذ حوالي عام..! ولعل الملاحظة الاولى التي غلبت على البيان الاول للجيش المصري الذي سعى الى تهدئة الاوضاع "ان قيادة الجيش لم تكتف بتشخيص صعوبة المرحلة المقبلة والمخاطر المحدقة بالوضع المصري ككل، بل انها اشادت بقوة بالحراك الشعبي للمعارضة ورأت بالتظاهرات تعبيرا عن الارادة الحرة للشعب المصري، في الوقت الذي لم تعر فيه أي اهتمام للحراك المقابل الخاص بدعم الرئيس السابق محمد مرسي، وهو ما اعتبر خروجاً على الشرعية الدستوية التي حازها الرئيس مرسي عبر صناديق الاقتراع واصطفافا الى جانب طرف سياسي على حساب طرف آخر.. كما اظهر وبشكل واضح الانعدام للتوازن في التعاطي مع الازمة المصرية بما يمهد خارطة طريق تلبي مطالب المعارضة على حساب الطرف الآخر.. الامر الذي يجعل من هذا الموقف محفوفاً بمستقبل مظلم على الساحة المصرية يستند الى ارضية من الحقد والكراهية وانعدام الثقة بين الفرقاء وتزداد الازمات التي تواجه مصر بالمرحلة المقبلة في مختلف المجالات وتسود الفوضى والدمار وتخريب البلاد اذا ما اتسعت دوائر القتل وسفك الدماء.! ولعل غياب اهل الرأي والحكمة والعقل من المصريين عن الساحة في معالجة هذه الاوضاع المؤسفة أثر كثيراً على المشهد السياسي، حيث كان بامكان الساسة المصريين من العقلاء ايجاد وقفة جادة وحاسمة لرأب الصدع وانهاء حالة الانقسام والتشرذم والاعتصام والتظاهر في مصر.. فهذه المهمة لم تكن صعبة امام هؤلاء العلماء والحكماء والعقلاء من كل جانب لبذل اقصى الجهد من اجل القيام بمبادرات خلاقة للتقريب بين الآراء والخطط المستقبلية ومراعاة كل وجهات النظر بكل حيادية ودون انحياز لطرف.. بحيث يكون الصبر والعزيمة والارادة الصادقة والنوايا الخالصة هي اساس هذه المبادرة لانهاء هذا الوضع المتفاقم في مصر، بمصالحة وطنية صادقة واكيدة وحقن نزيف الدماء في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب من بعض القادة العرب السعي لوقف حمام الدم في مصر لتستأنف دورها الريادي العربي والدولي بدلا من هذا السقوط في المستنقع الدموي الكبير..! * رئيس تحرير جريدة "الكاتب العربي" الأُردنية. - abdqaq@orange.jo