بقلم : عبدالله محمد القاق

في الوقت الذي رحبت فيه الدول العربية والاجنبية باعتبار كنيسة المهد من التراث العالمي وهو القرار الذي اتخذته اليونسكو مؤخرا .. اقدمت اسرائيل على خطوة عدوانية جديدة بافتتاح وتحويل جبل جرزيم في نابلس كحديقة ومحمية طبيعية تديرها سلطتا الاحتلال والاثار الاسرائيليتان .. وهذه الخطوة بمثابة اعتداء من جديد وقرصنة اسرائيلية للسيطرة على التراث الفلسطيني والذي يشكل خرقا فاضحا للقانون الدولي والاتفاقات الدولية لحماية التراث الثقافي اثناء النزاع المسلح لعام 1907لاتفاقات جنيف وغيرها .

ان جبل جرزيم او جبل الطور هو الجبل المقدس للسامريين طوال الاف السنين وهو المكان الذى نزلت فيه الشرائع السماوية والمكان الذي كان يهم فيه ابراهيم عليه السلام للتضحية بابنه اسحق.

هذا ولم لم تكتف إسرائيل بتغيير المعالم السياسية والثقافية والاجتماعية في مدينة القدس ، وسعيها لإعلان الدولة اليهودية بشكل واضح في إطار الرغبة بتهجير الفلسطينيين من عرب 1948 من أراضيهم التي سكنوها قبل الوجود الإسرائيلي في فلسطين ، بل ان الاحتلال هاجسه حاليا هو تغييب مكانة اللغة العربية الجامعة لعرب 1948 بكل ما تحمله من معنى بغية طمس الهوية الثقافية العربية ، انطلاقاً من سعيها كي تُفقد العرب الذين يرزحون تحت الاحتلال هويتهم الوطنية والقومية والتي يدافعون عنها بكل قوة وإباء،،.

ان هذه الإجراءات الإسرائيلية تتطلب العمل العربي والدولي المشترك لإنهاء هذه الأعمال التي لا تقل اهمية عن قضم الأراضي بإقامة المستوطنات بالأراضي المحتلة ، لكونها تهدف الى تغييب المكانة العربية وإفراغ المناطق من مضامين لغتنا الجميلة وإبعادها عن القومية في محاولة لبسط نفوذ اللغة العبرية على المليون ونصف المليون مواطن من فلسطينيي العام 1948 الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال مما يُمهد الطريق "لأسرلة" هذه الشريحة وتذويب هويتها الاصلية.

تواصل اسرائيل اجراءاتها التعسفية وأعمالها القمعية ضد الفلسطينيين في فترة انشغال عالمنا العربي والدول بالمتغيرات الأخيرة في بعض الدول العربية بسبب الانتفاضة العارمة التي تشهدها المنطقة بعد ثورتي تونس ومصر ، وما يجري حاليا في ليبيا واليمن الأمر الذي دفع بإسرائيل الى تغيير الكثير من المعالم العربية بهذه الأراضي المحتلة ، حتى انها ألغت بعض المناهج العربية واعتبرت أن من يتحدثون اللغة العربية في مناطق الـ(48) هم "اقل شأناً من غيرهم،".

وهذا يعني ان فصلا عنصريا جديداً ضد العرب في الأراضي المحتلة والتي تسعى الى تضمينها في قوانين عنصرية تطال هؤلاء المواطنين العرب بخاصة في عهد حكومة رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو ، والذي لم يغب عن باله في وقت من الأوقات إلا ودعا الكنيست الى اعداد القوانين التي تحرم الفلسطينيين حقوقهم واقدام عدد من اعضاء الكنيست لتقديم مشروع قانون بإلغاء المكانة الرسمية للغة العربية كإحدى لغتي الاحتلال الرسميتين الى جانب العبرية ، وهو ما نجح به بعض هؤلاء النواب.

وهذا المشروع اذا ما صودق عليه وهو الذي تبناه العضو "ارييه الداد" ينص على ابطال تشريع انتدابي في فلسطين صدر في العام 1922 والذي أقر اللغات العربية والعبرية والإنجليزية كلغات رسمية غير انه بعد قيام دولة الاحتلال الغاصبة ، تم إلغاء اللغة الإنجليزية والإبقاء على اللغة العربية الى جانب العربية ، وهذا القرار الإسرائيلي الجائر يهدف الى المبادرات التقويضية المتتالية التي تتخذها إسرائيل من اجل شرعنة الاحتلال في مختلف المناطق بدعم اميركي واوروبي. فهذه اللغة العربية الأم هي الأصل لدى عرب 1948 وانهم يرفضون هذه التشريعات التي تتناقض مع اتفاقية حقوق الإنسان والقرارات الدولية الخاصة بحقوق الذين يقعون تحت أي احتلال،،.

فالمشروع الاسرائيلي الجديد والمقترح هو عنصري وفاشي ويندرج في سلسلة التشريعات الإسرائيلية التي تهدف الى طمس قضايا العرب والمسلمين وحقوقهم في مدينة القدس وغيرها ، وقد أصبحت هذه القوانين الجديدة تمثل هاجساً اسرائيلياً في السنوات الأخيرة مثل اعداد "قانون الولاء" للدولة اليهودية والصهيونية وقانون "منع احياء النكبة" وغيرها من القوانين التي تستهدف مكانة وهوية العرب الفلسطينيين.

لم يكن بعيداً على هذا النائب الإسرائيلي الفاشي ارييه ايداد في تقديم مشاريعه العنصرية ضد الفلسطينيين ، فهو الذي دعا في مقابلة له مؤخراً بضرورة استقبال الأردن للاجئين بالدول العربية ، وهو الذي يطالب الأردن باستيعاب الأعداد التي تهاجر من الأراضي المحتلة ، فضلا عن مطالبته في غور الأردن ، والذي اعتبرت السلطات الرسمية الأردنية هذه التصريحات بأنها حملة ظالمة ضد الأردن وتجيء في ضوء إجراءات اسرائيل لتقويض العملية السلمية والتي أدت مواقف الاحتلال الغاصب الى ارجائها بسبب عمليات الاستيطان المستمرة في الاراضي العربية المحتلة بخاصة في مدينة القدس الشريف.

فهذه القرارات الإسرائيلية والمشاريع الجديدة التي يتبناها الكنيست من شأنها تعزيز الاثنية والصبغة القومية لإسرائيل ، لأن استهداف اللغة العربية تشكل من خلال المنظور الفاشي في اسرائيل خطوة جادة نحو ابعاد العرب في الأراضي المحتلة عن الحصول على الكثير من المميزات التي يستحقونها والتي كفلتها كل القوانين والأعراف الدولية ، لذلك فإن اسرائيل بهذه السياسة الخرقاء تعمل على تضييق الخناق على العرب ومحاولة طمس لغتهم الجميلة في اطار تغييب الهوية العربية في اطار هذا الاحتلال ، والذي تشكل هذه الإجراءات خطوات هادفة لتغيير معالم الفلسطينيين بخاصة بعد الاقتراحات التي تقدم بها برلمانيون اسرائيليون لإزالة اللافتات العربية الإرشادية في الشوارع بالقدس وفي غيرها من المدن واستبدالها بلافتات عبرية ، بينما يقوم بعض المستوطنين بدعوة العاملين لديهم في المشاريع الإنشائية بعدم التحدث فيها بينهم باللغة العربية ، تجسيداً لسياسة "الابرتهايد" العنصرية،.

الأمل كبير في ان تتحرك الدول العربية لدى اليونسكو والأمم المتحدة بوقف هذه الإجراءات الإسرائيلية الفاشية التي من شأنها القضاء على لغتنا العربية الجميلة والتي تستهدف طمس هوياتنا كما أن هذه الأعمال الإسرائيلية تتطلب من المواطنين العرب سواء في العام 1948 او غيرهم حفظ هذه اللغة من خلال استخدامها في رسائلهم الداخلية بخاصة تلك الموجهة للسكان العرب وحث الجمعيات واصحاب المطاعم والمصالح المتعددة على استخدام اللغة العربية في لافتات محلاتهم ومن خلال أطر وبرامج توعوية متعددة ، باعتبار أن اللغة تنمو وتترعرع بالاستعمال وعلينا استعمال لغتنا الجميلة في مختلف مرافق حياتنا فهذا كفيل بحفظها وحفظ هويتنا ومقاومة محاولة تغييبنا على الصعيدين المحلي أو العربي ، كما ندعو "اليونسكو" الى فضح اسرائيل لمواقفها الفاشية ضد العرب وحقوقهم التاريخية في اللغة والتراث والاجتماعي والاقتصادي واتخاذ الإجراءات الرافضة لهذه القرارات العدوانية الجديدة ضد العرب والمسلمين تحت هذا الاحتلال الصهيوني البغيض،.

abdqaq@orange.jo