الشاهد - ببراءة الأطفال، جلست الطفلة سندس، ابنة الست سنوات، في منزلها بمنطقة نجع العرب، يعلو وجهها ابتسامة عريضة وهي تمسك بـ'لبس العيد'، دون أن تدرك أنها سترتدي يوم العيد كفنًا أبيض بدلا من فستانها الجديد.
قبل عامين، توفي 'أحمد' في سن الشباب تاركا لزوجته وطفلتيه 'سلمى' 8 سنوات، و'سندس' 6 سنوات، ثروة لا تقدر بثمن من السيرة الطيبة وحب الناس، جعلتهم يعيشون في المنطقة الشعبية دون أن يشعروا بفقدان الأب والسند.
ويوم السبت الماضي، دق الحزن من جديد باب العقار رقم 89 شارع 6 بمنطقة نجع العرب بالإسكندرية، حيث تسكن أسرة 'سندس'، بعدما استأذنت الطفلة والدتها للنزول للشارع لشراء الحلوى، كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءً.
في تلك اللحظة كانت هناك أعين شيطانية تراقب الطفلة اليتيمة بمجرد خروجها من باب منزلها، ترصد تحركاتها، تنتظر ابتعادها على الأطفال الذين يعج بهم الشارع، تراها فريسة سهلة الاصطياد.
مرت الدقائق، وحان موعد الإفطار، لم تعد 'سندس' إلى البيت، فبدأ الشك يتسرب إلى قلب الأم، استغاثت بجيرانها وأهالي المنطقة لمساعدتها في البحث عن طفلتها، فالليل حل والمساجد بدأت في إقامة صلاة التراويح، أين اختفت سندس؟.
رحلة البحث عن سندس
'يا ولاد الحلال في بنت صغيرة تايهة اللي يلاقيها يوديها عند شارع 6'.. جابت سيارات تحمل مكبرات صوت شوارع المنطقة الواقعة غربي الإسكندرية، ونودي في الزوايا والمساجد، الجميع كان يثق في عودة سندس.
'دي بنت يتيمة وأهلها ناس طيبين من يفكر يؤذيهم'.. يقول مصطفى كامل، جار أسرة سندس، مشيرا إلى أنهم كانوا يعتقدون أن أحد أهالي المنطقة عطف عليها للإفطار معهم، قائلا:'والدها توفي قبل سنتين وترك لهم رصيدًا كبيرًا من محبة الناس' كما نقلت صحيفة 'مصراوي'.
لم تأت مكبرات الصوت بجديد، فلجأت الأسرة إلى نشر صور سندس على مواقع التواصل الاجتماعي، يعلوها استغاثة:' سندس أحمد محمد، من إسكندرية – الورديان – نجع العرب، عندها 6 سنين، خرجت تلعب مع أصحابها قدام البيت النهاردة، واختفت من الساعة 6، نرجوكم اللي يعرف أي معلومة يتصل بينا رأفة بحال والدتها'.
في اليوم التالي، حررت الأم 'ن.م.أ'، 33 عامًا، ربة منزل، محضرا بقسم شرطة مينا البصل، تفيد بغياب طفلتها 'سندس أحمد محمد'، البالغة من العمر 6 سنوات، عن المنزل، ولم تتهم أحدا بالتسبب في ذلك.
فور تلقيه البلاغ، شكل المقدم أحمد الصيرفي، رئيس مباحث قسم شرطة مينا البصل، فريق بحث لكشف لغز اختفاء سندس من خلال فحص علاقات أسرة المجني عليها ومراجعة كاميرات المراقبة.
جثة سندس في المنور
وبحلول يوم الاثنين الماضي، كانت الصدمة الكبرى، بعد العثور على جثة سندس مسجاة على ظهرها بمنور العقار رقم 96 بشارع 5 بذات المنطقة المشار إليها، ترتدي كامل ملابسها، وبها إصابات وكدمات متفرقة بمختلف أنحاء الجسم.
'شبشب سندس هو اللي أرشدنا لمكان جثتها' هكذا يقول جار المجني عليها، موضحا أنهم عثروا على 'فردة شبشب' الطفلة على سلالم العقار رقم 96 الواقع في الشارع الخلفي لمنزلها.
أمر اللواء محمد الشريف، مساعد الوزير مدير أمن الإسكندرية، بتشكيل فريق بحث جنائي، بمشاركة قطاع الأمن العام وإدارة البحث الجنائي، لضبط مرتكبي الواقعة.
الشياطين الثلاثة
أسفرت جهود فريق البحث عن تحديد مرتكبي الواقعة وهم ثلاثة أشقاء 'سائق توكتوك، طالب، ربة منزل' جميعهم مُقيمون بذات العقار الذي عثر به على الجثة.
في لحظة ابتعدت فيها الطفلة عن أقرانها الذين تلعب معهم، ناداها المتهم الأول، واستدرجها إلى أعلى سطح العقار سكنه، بعدما اتفق مع شقيقه على سرقة القرط الذهبي الخاص بالمجني عليها، هكذا كشفت تحريات ضباط المباحث.
حاول المتهمان الاستيلاء على القرط فقاومتهما سندس وأخذت في الصراخ، فانتابتهما حالة من الذعر، وأصيب تفكيرهما بالشلل، وخشية افتضاح أمرهما قاما بشل حركتها وكتم أنفاسها حتى لفظت سندس أنفاسها الأخيرة.
ظل المتهم وشقيقه عاجزين عن التصرف ينظران نظرات شيطانية، وبسرعة حملا جثة سندس وألقوها من أعلى سطح العقار في المنور، وأبلغا شقيقتهما بما حدث فتسترت عليهما وبيع القرط الذهبي الذي لا يزن سوى 3 جرامات واقتسام ثمنه فيما بينهم.
أرشدت المتهمة عن القرط الذهبي لدى صاحب محل مجوهرات 'حسن النية'.
وتحرر محضر بالواقعة بقسم شرطة مينا البصل، وباشرت النيابة العامة التحقيق.
السوشيال ميديا تشتعل
'لو حق زينه جه كان حق سندس يجي'.. 'في إشارة منهم إلى واقعة مماثلة حدثت لطفلة في بورسعيد'، هكذا اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بجريمة قتل سندس، فيما دشن نشطاء هاشتاج 'الإعدام لقتلة سندس'، وآخرون بإنشاء جروب'سندس شهيدة في الجنة'.
وتحولت واقعة مقتل سندس إلى قضية رأي عام هزت الشارع السكندري، فطالب أحمد عبداللطيف بسرعة القصاص من المتهمين، قائلا: 'المتهمون سنهم صغيرة يجب أن يحبسوا حتى يبلغوا السن القانونية ثم يعدموا'، فيما قالت 'نبيلة سراج': 'في جنة عرضها السموات والأرض سندس عروسة الجنة'.
شهيدة العيد
صرحت النيابة العامة بدفن جثة سندس بعد تشريحها لبيان سبب الوفاة، وندب الأدلة الجنائية للانتقال إلي مكان الواقعة لإجراء المعاينة اللازمة ورفع البصمات.
ومع تكبيرات عيد الفطر يوم الأربعاء الماضي، خرج المئات من أهالي نجع العرب ومينا البصل، لتشييع جنازة سندس في مشهد مهيب، مرددين هتافات من بينها 'في الجنة يا سندس'، 'حسبى الله ونعم الوكيل'، و' يا للي بتسأل إيه القصة؟ قتلوا سندس وحدفوا الجثة'.
وأمرت نيابة مينا البصل، بحبس المتهمين الثلاثة 4 أيام علي ذمة التحقيقات، بعد اتهامهم باستدراج وخطف الطفلة سندس وقتلها لسرقة قرطها الذهبي.