بقلم : عبدالله محمد القاق
الخطاب الجامع والمانع الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل تخريج كوكبة جديدة من أبنائنا في الجناح العسكري بجامعة مؤتة أكد على العديد من القضايا الوطنية والقومية، وشدد على ضرورة مواصلة مسيرة النهضة في انطلاقتها على دروب التنمية والبناء للدولة العصرية، وصنع الرخاء لكل الاردنيين الذين شمروا عن ساعد الجد وكرسوا حياتهم في كل المواقع لبناء حاضر زاهر وغدٍ مشرق في ظل هذه الدولة الاردنية التي ترتكز على مبادئ العدل وسيادة القانون والمساواة
لقد تناول جلالته في حديثه الذي لقي اصداء عربية ودولية هامة قضايا الاصلاح والديمقراطية والتنمية والعشيرة والعنف والاوضاع الفلسطينية والازمة السورية والوطن البديل، حيث كانت هذه الموضوعات موضع اهتمام جلالته رغبة منه في ان يضع الامور في نصابها امام هذا الشعب والعالم اجمع، خاصة وان جلالته استطاع ان ينهض باردن الخير والعطاء رغم محدودية الامكانات المادية واضعاً نهضة الاردن وتأمين الحياة الكريمة لابناء شعبه، على رأس اولوياته حيث كانت مبادرات جلالته على كل المستويات بمتابعات شخصية ودائمة رغم ازدحام الاجندات بالاحداث المتسارعة في المنطقة، حيث احدثت هذه المبادرات في فترة قياسية نقلة نوعية في اجراء الاصلاحات الكبيرة في القوانين والانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف تنمية وتطوير اقتصادنا الوطني وتجذير الديمقراطية في الاردن وتكريس التعددية التي يريدها جلالته ليكون الاردن الانموذج في البناء والتعمير والحياة السعيدة.
وانطلاقاً من سياسة جلالته الرامية الى دعم الجهود الرامية لتعزيز عملية الاصلاح بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد دعا الى العمل للرقابة والتشريع بكل كفاءة وفاعلية وضرورة الاسهام في مسيرة البناء وتعظيم المنجزات بالمرحلة الراهنة، مشدداً جلالته على ضرورة التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لرسم برنامج عمل متوافق مع خطة التنمية التي تتضمن الأليات والبرامج المختلفة القابلة للتنفيذ والتي تتناغم مع الطموحات والامكانات في ضوء آليات عالية من الكفاءة والمتابعة والتقويم والمحاسبة الامر الذي يجب توفير كل الجهود وتكاتف المعنيين لتحقيق مسيرة الاصلاح الشامل بحيث يكون التغيير دائماً الى الافضل والاشمل والاكثر خيراً للمواطنين
فالخطاب الشامل لجلالته شدد على دور الشباب الخريجين باعتبارهم قادة اليوم ورجال المستقبل، خاصة وان هؤلاء يمثلون 60 في المائة من سكان الاردن، حيث أكد جلالته في كل اللقاءات والاجتماعات على أهمية دورهم في البناء وتقدم المجتمع ليطلق امامهم العنان للمزيد من العمل الجاد والمثمر، حيث جرى تكريم كوكبة منهم على هامش المنتدى الاقتصادي الذي عقد في شهر ايار الماضي في البحر الميت لجهودهم الابداعية ومواهبهم الرائدة لخدمة المواطنين
ولم يخل خطاب جلالة الملك من الحديث عن الازمة السورية، حيث رأى جلالته ان مسؤوليتنا تجاه اشقائنا هي مسؤولية اخلاقية، وتضحيات كبيرة، لكن الاردن والاردنيين كانوا دائما على مستوى التحدي ونصروا اخوانهم في العروبة والدين والانسانية والشعوب التي نساندها ، فالعالم لن ينسى مواقفنا المشرفة.
هذه الكلمات تؤكد على الموقف الوطني والقومي للاردن تجاه سورية وشعبها والذي تؤكد على ضرورة حل الازمة بصورة سياسية بعيداً عن التدخل الخارجي، مشدداً على ان الاردن الذي يحتضن اكثر من نصف مليون لاجئ سوري يحتاج الى الدعم والمساندة والمؤازرة في اداء هذه المهام الرئيسة لخدمة اخواننا من السوريين. لقد بذل الاردن الكثير من أجل استقبال افواج اللاجئين سواء في فلسطين والعراق ولبنان وسورية، وهو اشد عزيمة وارادة صلبة في دعم قضايا الوطن والامة، وديدنه رفع الحيف او الظلم عن العرب في كل مكان ودعم جهود التضامن العربي وسعيه لتخفيف الألم عنهم وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم المستقبلية، في هذه الظروف الراهنة بعد ثورات الربيع العربي الذي يشهدها عالمنا بالمرحلة الحالية.
ولعل اعلان جلالته رفض كل حديث عن الوطن البديل ودعم القضية الفلسطينية وحل الدولتين، يدل على الدور الذي يبذله المليك في مؤازرة الشعب الفلسطيني من اجل اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ومواجهة الاستيطان الاسرائيلي وما يخلفه من آثار سلبية على حياة الفلسطينيين الاقتصادية والاجتماعية، داعياً المجتمع الدولي الى الوقوف الى جانب الاشقاء من اجل حل هذه الازمة واحلال الامن والامان والاستقرار في المنطقة في ضوء القرارات الدولية.
والواقع ان ما اشار اليه جلالته حول الوطن البديل بقوله “ان الحديث عن الوطن او التوطين او الخيار الاردني هو مجرد اوهام والاردن لن يقبل تحت اي ظرف من الظروف، بأي حل للقضية الفلسطينية على حسابه وهذا من ثوابت الدولة الاردنية التي لن تتغير” فهذا الكلام يؤكد على سلامة الموقف الاردني الداعم للفلسطينيين والرافض لدعوات اسرائيلية من ان الاردن هو الوطن البديل للفلسطينيين وان اسرائيل وبعض الجهات واهمة في املها ان تكون الدولة الفلسطينية على حساب الاردن، لأننا نريد ان تقام هذه الدولة على اراضي فلسطين، ولن يقبل الاردن عن ذلك بديلاً مهما روج المرجفون والواهمون.
ان هذه الكلمات تؤكد سلامة الموقف الاردني الوطني والقومي الذي يتبناه جلالته لاقامة هذه الدولة الفلسطينية بشتى الوسائل وتجسيد رؤية عملية لمواصلة الشعب الفلسطيني في العيش بأمن وسلام على أرضه بعيداً عن أية تدخلات خارجية مهما عظمت او ادلهمت الخطوب، فالفلسطينيون يجب دعم ارادتهم وعزيمتهم ومواقفهم بالتشبث بأرضهم التاريخية والاسهام في رفض كل حل غير هذا الحل الرامي الى دعم فلسطين وشعبها في بناء دولته المستقلة القابلة للحياة.
تأكيد جلالته على مساندة اقامة الدولة الفلسطينية وضرورة اهتمام المجتمع الدولي بالقضية المحورية والمركزية يعكس عمق وأصالة الاخوة التي تجمع بين الشعبين الاردني والفلسطيني وحرص جلالته على مساندة الفلسطينيين على الصعد كافة.
وهذا الخطاب يجسد رغبة جلالته في بناء الانسان القادر على القيام بدوره ومسؤولياته وعلى الاسهام الايجابي في تحقيق التقدم والازدهار كشريك اساسي للحكومة، ويسهم ايضا في تحقيق الرخاء والتقدم والامن للمواطنين، وفي استعادة مجده ومكانة المواطن، وذلك انطلاقاً من تكريس جلالته كل وقته وجهده وعنايته لارساء الاسس الصحيحة والقواعد المتينة التي تم عليها تشييد النهضة الحديثة والدولة العصرية، والتي اثبتت التجربة دوما وتحت كل الظروف بعد نظر وحكمة مواقف القائد والباني المليك سواء أكانت سياسية أم تنموية لانها تنطلق بخطى ثابتة نحو بناء حاضر زاهر ومستقبل مشرق يحقق مصلحة الوطن والمواطن على افضل نحو ممكن في ضوء كل المعطيات والتطورات الجارية عربياً واقليمياً ودولياً.
وبالرغم من كل التحديات التي تواجه الاردن، الا ان القيادة الهاشمية رسمت لنفسها نهجاً قويماً وحكيماً ليظل الاردن واحة أمن واستقرار بوعي قيادتها الملهمة وتلاحم الاسرة الاردنية في مختلف ارجاء المملكة والتي تجمعهم المساواة وتكافؤ الفرص والتي تتيح لهم جميعاً العمل والبذل والعطاء الى أقصى حد ممكن، ليؤكدوا ان حياة الشعوب لا تحتسب بالسنين وانما تحصى بالانجازات التي حققها هذا الشعب المعطاء على طريق التطور الحضاري والنمو الشامل.
حقاً ان خطاب جلالته اتسم بالصراحة والوضوح والواقعية والموضوعية ورسم خريطة طريق للمسؤولين والمواطنين جميعاً للتعاون والتفاهم في الاستمرار بالعمل الجاد والمخلص في تنفيذ سياسات التنمية والبناء وبذل المزيد في انتهاج خطط حكيمة لأن التعاون وتبادل المنافع والمصالح بين المجتمع الواحد او بين الدول يعتبر أمراً في غاية الاهمية وهو ما يسعى اليه جلالته لتحقيقه بكل جد واخلاص في هذه الظروف والتحديات الراهنة!!.
abdqaq@orange.jo رئيس تحرير جريدة سلوان الاخبارية