مثقفون: مفردات «السوشيال ميديا» لا تشكل خطرًا على «العربية»
06-02-2019 12:42 PM
الشاهد - في السنوات الأخيرة بات من المؤكد أن دخول (السوشيال ميديا) على عالمنا العربي عبر القنوات المتعددة من وسائل الإعلام من مثل: الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والمحطات الإذاعية سواء أكان مقروءا أم مسموعا أم مرئيا، قد أدى إلى دخول العديد من المفردات والعبارات والألفاظ إلى جانب التعبيرات التي غزت الحياة اليومية للإنسان العربي، نتساءل ما مدى تأثير ذلك على لغتنا العربية وماهو دور المؤسسات الرسمية المعنية في التصدي لذلك وخاصة مجامع اللغة العربية؟ «الدستور» التقت بعض المثقفين والمهتمين وحاورتهم قضية السوشيال ميدل وأثرها على اللغة العربية، فكانت هذه الاجابات:
الدكتور اسماعيل القيّام: إنّ هذه الظاهرة، وإن بدت للناس على أنّها شكل من أشكال غزو لغةٍ أخرى للغتهم، ومظهرٌ من خضوع اللغة العربيّة لهيمنة اللغات الأخرى، فإنّها في الواقع لا تشكّل خطرًاعلى اللّغة العربيّة ولا تهديدًا لها؛ فهذه الألفاظ والتعابير التي تدخل حيّز الاستعمال اللغويّ في مرحلة زمنيّة معيّنة من عمر اللغة يؤول أمرها في الغالب مع مرور الزّمن إلى أن تنقسم من حيث قدرتها على الحياة والبقاء إلى فئتين متناقضتين: الفئة الأولى طائفة من هذه الألفاظ والتعابير تموت وتختفي من الاستعمال، وهي أشبه بـ(الموضة) التي تنقضي بانقضاء زمانها وتضمحلّ باضمحلال المهتمّين بها، فلا يبقى منها أثر بعد مدّة زمنيّة، والفئة الأخرى هي الفئة التي تثبت قدرتها على البقاء والديمومة، وهذه الفئة من الألفاظ والتعابير تستطيع اللغة العربيّة بما أوتيت من أسباب القوّة والحياة أن تهضمها وتعيد تشكيلها الصوتيّ والصرفيّ لتتناسب مع طبيعتها وخصائص أبنيتها، وتغدو جزءًا لا يتجزّأ منها كما غدت كثير من الألفاظ التي سبقتها في الدخول إليها.ولا شكّ في أنّ اللغة العربيّة قد تعرّضت، عبر عمرها الذي يتجاوز الـ 17 قرنًا من الزّمان، إلى كثير من أسباب التداخل مع اللغات الأخرى، ومع ذلك كانت تخرج في كلّ مرّة بحصيلة من المفردات والتعابير التي تتخذ مكانًا مناسبًا لها في معجمها.
الناقد والشاعر مهدي نصير: اللغة كائنٌ منفلتٌ بطبيعته وقابلٌ للتلوُّن والتشكُّلِ بعيداً عن قواعده الناظمة لحركة اشتقاقه وتطوره وتوالده ضمن منظومة اللغة وقواعدها الرصينة، لذلك يسهل أحياناً هيمنةُ لغةٍ على لغةٍ أخرى وذلك باحتلال مجالها التداولي الشعبي والسيطرة عليه وتوجيهه وربما مسخه ليصبح بلا هويةٍ واضحة، وفي مجتمعاتٍ كمجتمعاتنا تعيش حالةَ هبوطٍ حضاريٍّ وانفلاتٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ وثقافيٍّ ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وبما أتاحته من فرصٍ ليكون كلُّ فردٍ بالمجتمع كاتباً من دون معرفةٍ بلغته وأساسياتها؛ ما أتاح الفرصة الكبيرة للغةٍ جديدةٍ للسيطرة والانتشار دون رقيبٍ ودون أيِّ قدرةٍ على ضبطِ هذه اللغة والتأثير على مستخدميها بما يحافظ على شخصية اللغة العربية ومفرداتها واشتقاقاتها، ومع غياب كبير لمجامع اللغة العربية ومتابعاتها لإصدار معجم رسمي متطور سنوياً كما يحصل في مجامع اللغة لشعوبٍ ولغاتٍ أخرى، الذي سيدفع مع الزمن وعدم المتابعة المعجمية للغة وتطوراتها وتهذيب هذه التطورات وضمها أصولياً لمعجم اللغة العربية؛ ما سيجعل من اللغة المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي لغةً غيرَ خاضعةً للتدقيق والتصحيح والفلترة ومنفلتةً في سيطرتها على فضاء اللغة المتداول، والذي سيخلق مع الانتشار الكثيف وعدم الرقابة لغةً أخرى داخل اللغة العربية نطقاً ومفرداتٍ وكتابةً. حتى تستطيع اللغة المحافظة على هويتها وشخصيتها عليها التأقلم الواعي مع ما تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي وما يفرضه مستخدموا هذه الوسائل الكثيفة الانتشار والحضور والتأثير وذلك عبر تفعيل دور مجامع اللغة العربية واتفاقها على إصدار معجمٍ سنويٍّ مُحدَّثٍ يحافظ على هوية اللغة وقواعدها ودامجاً ما يطرأ من تطوراتٍ تفرضها هذه الوسائل الرقمية الطاغية الحضور والتأثير. من دون هذا الجدل والتغذية بين واقع اللغة العربية المتداول وبين حرَّاس اللغة وحرَّاس هويتها ومعجمها ستدخل اللغة العربية في دور الاستلاب اللغوي وستدخل في طور هيمنة مفردات اللغات الأخرى وصياغاتها وربما أساليبها الأكثر حضوراً والأكثر تطوراً والأكثر انضباطاً ومتابعةً من حرَّاسها. اللغة القوية تكون لغةً هاضمةً لجدلها مع اللغات الأخرى، أما اللغة الضعيفةً فتكون لقمةً سائغةً تهضمها وتبتلعها اللغات الأخرى الأقوى وتمسخها بما يخلق لغةً هجينةً غيرَ ذات هوية، ولغتنا العربية لغةٌ قويةٌ وقادرةٌ – عبر تفعيل مؤسساتها وحرَّاسها من أكاديميين وجامعات ومجامع اللغة العربية الموجودة في معظم الأقطار العربية – وهي قادرةٌ بذلك على خلق توازن بين حضورها الفصيح وبين لغة الناس المتداولة في الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي والرقمي الطاغي كالطوفان.
الناقد والشاعر عبد الرحيم جداية: لواقع متغير دائما واللغة العربية حية تقبل كل جديد وتتعامل معه بالتعريب أحيانا أو بقبول المصطلح كما ورد من مصدره الغربي الذي نعتقد بخطورته؛ لأن الوعي لم يستطع استيعاب تلك الالفاظ القادمة والمفاهيم ودورها في التوازن اللغوي والنمائي للغة العربية؛ فتموت الفاظ حتما وتنشط الفاظ جديدة لمواكبة العصر؛ لكن الخطورة الناتجة عن استخدام الألفاظ الجديدة من داخل اللغة ومن عامة المستخدمين هي اكبر خطرا على اللغة العربية؛ فشبكة التواصل الاجتماعي او السوشيال ميديا ادخلت لعالم اللغة من المفردات والتراكيب المرمزة لتساهم في قتل اللغة العربية؛ فلغة التواصل العربية ميزانها اللغة السليمة والاختصارات المدروسة؛ لكن السوشيال ميديا ادخلت علامات واختصارات شكلت جيلا من القارئين له والمتواصلين به انقطعوا بلغتهم المحدثة عن آبائهم، وهذا الانقطاع نتيجة حتمية لاختلاف الثقافات داخل الاسرة وداخل البيت؛ ما يساهم حتما في سلخ المتحدثين الجدد من اصولهم العربية في اللغة وزيادة الهوة بين جيلين يتعايشان معا، فاذا تمكنا من هذا التعايش الذي سبب انقطاع الأبناء عن تراثهم اللغوي، وبالتالي تكمن الخطورة في انقطاع لغة الاشارة المرمزة عن قراءة وفهم القرآن الكريم؛ ما يُنتج جيلا منفصلا عروبيا عن لغته وعن دينه وبالتالي عن عاداته وتقاليده لتكون المسألة الاخلاقية هي السؤال المؤلم في تجربة السوشيال ميديا؛ فالانقطاع عن اللغة صوتيا ونحويا وصرفيا ودلاليا يعني ان المستوى الكتابي مهدد بشكل كبير بتدمير ثوابت اللغة حتى استساغ بعض المتواصلين اجتماعيا الاخطاء اللغوية الخبيثة التي اندست في عقول وضمير الاطفال دون وعي منهم بخطورة المسألة؛ فمن القادر على التصدي لهذه المسألة التي نبتت من العولمة بخطورتها ختى خلقت الفوضى اللغوية وزرعتها في كل فرد، فأنى لمجمع اللغة العربية التصدي لمثل هذه المشكلة التي تسبب انهيارا ثقافيا لوعاء الفكر ألا وهو اللغة؟، وهل نحن قادرون والمؤسسات المعنية على ضبط هذا الانهيار اوالسيطرة عليه او التقليل من خطورته؟ أم أن على المؤسسات المعنية التعايش مع الوضع اللغوي الجديد الذي كسر كثيرا من ثوابت اللغة العربية عند الأجيال الجديدة فلم يعد الجيل ابنًا للغته الأم ولم يعد ثنائي اللغة؛ لكنه أصبح ابنا للغة العولمة التي لا جذور لها. (الدستور)
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.