أ. د. فيصل الرفوع
في أي مجتمع من المجتمعات هنالك قوى متضاربة، متناحرة، مختلفة، تلتقي حيناً في المصالح والأهداف والوسائل، وتختلف حيناً آخر، وفي هذه الحالة هنالك خطوط حمراء للإختلاف، وبما تلتقي مع مصالح الوطن او الأمة او الشعب. والأردن، بتكوينه الديمغرافي والجغرافي والتأريخي والعقيدي لا يشذ عن هذه القاعدة. فمنذ نشأته كمشروع قومي وملاذ آمن لأبناء الأمة المجاهدين من أجل التحرير والوحدة والكرامة الإنسانية، ومكوناته المجتمعية والإجتماعية تشكل حالة تجانس قل نظيرها في عالم الأمس واليوم.
وبنظرة متواضعة لمسيرة المجتمع الأردني نجد أن هذا المجتمع أقرب ما يكون لمجتمع «حلف الفضول» الذي جاء ذات يوم للرد على بعض التصرفات الجاهلية التي مست القيم العربية آنذاك، وإنتصاراً للحق والعدل ونصرة المظلوم ودرء الظلم ووقف العدوان ووضع حد للتطاول على حقوق الآخرين وإصلاح ذات البين بين الشركاء في الوطن والقيم والمصير المشترك.
ومما يميز المجتمع الأردني، وبعيداً عن جلد الذات الذي يقول به العديد من الكتاب والباحثين، نجد أن الأردنيين ومهما تطاول «الشيطان وأعوانه» في تجذير التناقضات بينهم، او أمعن في تغليب جانب الشر على تعاملهم البيني، او «سول «لهم و« سوق» فيما بينهم الفتن ما «ظهر» منها وما «بطن»، فإن لإختلافهم سقفاً لأ يحيدون عنه وخطوطا حمراء لها الإحترام بل التقديس، يتجسد ذلك في مصالح الأردن كوطن، ببعده القومي- العربي والإسلامي، وسمعة الأردنيين كشعب عربي -إسلامي- عريق ذي قيم متوارثة، بالإضافة إلى إستقرار نظامه السياسي الهاشمي، الذي أجمع عليه الأردنيون ولا يقبلون ببديل عنه مهما كانت الإجتهادات وتباينت الآراء حول هذه القضية او تلك.
كم شعرت بالأمس بأنني أنتمي إلى شعب عريق، وأنا على أبعد نقطة من «الديرة» في منتصف المحيط الهاديء، جامعة هواي. حينما تابعت لقاء أم حماط- الكرك التشاوري، الذي دعا إليه النائب عاطف الطراونة، وبحضور نواب إقليم الجنوب والبادية الوسطى. بالإضافة إلى العديد من أعيان ووجهاء وأكاديمي وحراكيي وناشطي مكونات المجتمع الأردني من الرمثا إلى العقبة. وقد حمدت الله بأنني أنتمي إلى أمة عظيمة تترفع عن الصغائر وتعزز القيم الرائعة في تعاملها البيني، وفي رؤاها للوطن ومصيره إذا ما ادلهم الخطب.
أمة عظيمة فيها رجالات كبار، يحاصرون الشياطين في كهوفها، ويضعون حداً لكل من قال عنه الله سبحانه في عليائه }وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ* إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{ (القلم:10-15).
رجالات من شيوخ ووجهاء معظم العشائر والمكونات الأردنية، شرقاً وغرباً، شمالاً ووسطاً وجنوباً، إلتأموا لأجل الأردن ومن أجل حاضره ومستقبل أجياله وبهدف تعزيز ثوابته التي بني عليها كوطن وكمشروع قومي. رجال ينطبق عليهم ما قاله العرب في الشهامة والمروءة والتضحية»...إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا..».
فلله درك يا أردن، ما أعظمك، بتاريخك وعشائرك ورجالاتك وقيادتك، وحماك الله من كل مكروه
alrfouh@hotmail.com