جزراوي في "شومان": النسوية جزءا من عملية التحرر الشامل
24-01-2019 04:06 PM
الشاهد - رأت الباحثة والأكاديمية الأردنية د. لينا جزراوي، ان "صورة المرأة الماضية لم تخضع لتغيير جوهري في الذاكرة العربية، وأن المتخيل العربي ما يزال يحتفظ بما انطبع في ذاكرته عن المرأة، ويعيد إنتاجه اليوم بشكل مُحدث".
واعتبرت أن الخطاب الغربي ذلل الفروقات البيولوجية، وأسقط النظرة التقليدية عن المرأة ومكانتها وكشف علميا عن تشكل البنية الأسرية القائمة على أسس الهيمنة والسيطرة الأبوية.
وخلُصت جزراوي خلال حفل إشهار وتوقيع كتابها "صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر" أمس الأربعاء، في مكتبة عبد الحميد شومان العامة، ضمن برنامج قراءات في المكتبة، وقدمها للحضور د. محمد الشياب، إلى ان معظم الطرح النسوي في العالم العربي يصب في تحسين شروط حياة المرأة داخل الإطار التقليدي دون العمل على تعديلها، دون تحقيق بناء متين لفكر واضح المعالم، ومحدد الغايات.
وبينت أن الطرح النسوي ما يزال يخضع لأحكام المجتمع وتقاليده، مما يوضح سلبية الفكر العربي تجاه التغييرات الجذرية. وأنه يُنظر للقضية النسوية على أنها قضية منفصلة عن قضايا المجتمع، مع أنها جزء أصيل من الفكر التحرري للشعوب، وهي مسألة المجتمع، وجزء من عملية التحرر الشامل، وأحد وجوهه مثل الخبز والحرية والمواطنة والكرامة.
وذهبت جزراوي إلى أن الخطاب النسوي العربي المعاصر يفتقر إلى الأدلة العلمية والعقلية، خصوصًا بما يتعلق الأمر بمواجهة الخطاب الديني، الذي كان في أغلبه توفيقيا متذللاً يهادن المجتمع وتقاليده، كما يهادن الأنظمة السياسية، ويرفض اقتحام أسوار التقاليد والموروث، كما أنه لم يغادر مسألة الفارق البيولوجي بين الجنسين.
ويتناول الكتاب، وفق مؤلفته، صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر، إلى جانب توضيح وتحليل صورة المرأة في الأسطورة والفلسفة، وتاريخ الحركة النسوية في العالم الغربي وتشكل النسوية العربية بدءا من عصر النهضة وحتى الفكر المعاصر، كما أنه يتناول نماذج نسوية عربية من مدارس مختلفة أمثال "نوال السعداوي، غادة السمان وهشام شرابي".الكتابة عن النسوية، بحسب المؤلفة، جاءت لظروف تتعلق بعملها في مجال حقوق الإنسان عموماً، وحقوق المرأة خصوصاً، كذلك لتخصصها في حقل الفكر النسوي، وبواقع المرأة العربية "الذي لم يصل لمُستوى تحقيق شراكتها مع الرجل في كافة ميادين الحياة".
وحول الكتاب، قالت جزراوي "لقد أظهر الكتاب بأن هنالك واقعاً يحكم النساء منذ فجر التاريخ، ويصنفهن في مرتبة دونية نسبة الى مكانة الرجل، ويتعامل معهن على أنهن معطى قبلي ثابت غير قابل للتغيير"، لافتة إلى أن هذه الصورة على امتداد التاريخ، الأمر الذي أفرز حالة من التمرد، تشكلت على إثره تيارات فكرية تبحث في الأسباب التي حددت دور المرأة، ومكانتها انطلاقاً من تركيبها البيولوجي.
وبحثت جزراوي في الفصل الأول من الكتاب، عن صورة المرأة في التاريخ والأسطورة، وموقف الخطاب الفلسفي والديني منها. ورأت هنا أن "المرأة ظهرت كشريرة، مفتعلة الخراب، ماكرة وعاصية، وبقي المُتخيل الثقافي العالمي يحمل هذه الصورة، وينقلها من خلال آراء فلاسفة ومفكرين أثروا في الفكر الإنساني، وطبعوا صورتها الماضية في الذاكرة، ثم جاءت الشرائع الدينية لتُحسن هذه الصورة، وتُعيد للمرأة كرامتها ومنحها حقوقها واحترامها لكنها لم تنجح في ترجمة هذه الحقوق على أرض الواقع، وبقيت قيم الذكورة هي الأسمى".
وتتبعت الجزراوي في الفصل الثاني، ولادة الفكر النسوي الغربي، وما نشأ عنه من موجات نسوِية طورت الأسس الفلسفية في سياق التغير البُنيوي للمُجتمعات الغربية المرتبط بتغير البُنى الاقتصادية، وما لحق بها من تغير في البُنى الاجتماعية والثقافيّة.
وبينت أن الخطاب النسوي في عصر النهضة اتسم بالطابع التوفيقي مع خطاب المرجعيات الدينية، إلا أنه كان خطابا جريئا نسبة الى ذلك العصر، وشكل حالة صحوٍ للفكر النسوي، وعبد الطريق للمفكرين العرب المعاصرين لاستكمال المسير لبناء فكر نسوي معاصر.
وتطرح الجزراوي في الفصل الثالث من الكتاب النقلة في زاوية النظر لمكانة المرأة وواقعها في عصر النهضة. وقضية المرأة من زوايا القضايا الجدلية التي تخص علاقاتها الاجتماعية داخل بُنية الأسرة، والكشف عن علاقة المرأة بمحيطها في سياقاته المختلفة الدينية والسياسية والثقافية من خلال أقلام عربية أمثال "كوليت الخوري، وجورج طرابيشي، وفاطمة المرنيسي، وعبدالله الغذامي".
"هل المرأة جنس آخر؟"، سؤالا طرحته الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، في منتصف القرن العشرين ولا يزال الجواب عنه يشكل قضية الحركة النسوية التحررية وأساسها. بهذه الكلمات استهل د. محمد الشياب حديثه عن الكتاب، قائلاً ان "الدكتورة لينا جزراوي اتجهت في كتابها لتركيب التصورات والمواقف التي أنتجها الفكر العربي المعاصر في موضوع وضع المرأة العربية".
وأضاف ان "عمل الباحثة انصب أساساً على مراجعة عينة من أدبيات الفكر الاصلاحي، منذ منتصف القرن التاسع عشر الى يومنا هذا. فهذه العينة المختارة أدرجت ضمن حقبة معينة، وتُعنى بالموضوعات والمرجعيات ونوعية الأسئلة التي تجعل حقبة ما داخل المدى الزمني المشار إليه تختلف عن الأخرى أو تكملها أو تتجاوزها".
ولفت إلى أن الباحثة استطاعت في كتابها إبراز موضوع سؤال المرأة الذي تميز بطابعه الموصول بسؤال النهضة، وتبلور في الأفكار الاجتماعية والسياسية الاصلاحية التي واكبت مشاريع النهضة والتحرير والتقدّم في الوطن العربي. كما استطاعت أن تكتشف في مُقاربتها هذه أن سؤال المرأة اتخذ ملامح متعددة، وتحكمت في بنائه قناعات فلسفية وسياسيّة عديدة.
واتفق الشياب، مع الباحثة حول أن البُنى الفكريّة والعقليات الذكورية، بكل أشكالها، مازالت فاعلة بصمت في اتجاه مُخالف للمساواة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية.
ورأى أن المؤلفة استطاعت الكشف عن الأدبيات المرتبطة بقضايا تحرر المرأة في الفكر العربي المعاصر، التي لم تكن في مستوى المنجزات الاصلاحية
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.