بقلم : عبدالله محمد القاق
تنظيم مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للابداع الشعري دورة جديدة للاحتفاء بالشاعرين عبدالله سنان ومحمد شحاته خطوة جديرة بالاهتمام لكونها تكرم شخصيات اتسم شعرها بالجودة والاتقان وتضيف بذلك نجاحا اضافة الى نجاحات سابقة بحيث تسد الثغرات التي تركتها جهات ومؤسسات رسمية اغفلت دورها في خدمة الثقافة والادب بل وتركز على تقديم خدمات جلى للادب الانساني الراقي في هذه الدورة الشعرية التي عقدت في الكويت في الرابع والعشرين من الشههر الماضي – اذار- بعد سلسلة ندوات شعرية ناجحةحضرتها في الكويت والقاهرة وباريس والجزائر وطهران والبحرين واسبانيا وضعت هذه الندوات التي سخر لها الاستاذ الشاعر عبد العزيز البابطين كل الامكانات لانجاحها خططا لتحقيق التواصل الثقافي والشعري بين الشعوب وحققت خلال عمرها القصير اعمالا كبرى في التقارب بين الشعوب والامم عجزت عنها مؤسسات رسمية في بناء صرح الادب الشامخ القادر على ان يضفي لونا انسانيا على العالم المليئ بمظاهر الفرقة في محاولة لتشذيبها وتجميلها. في الندوة التي عقدت في الكويت مؤخرا والتي رعاها سمو رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك تم توزيع الجوائز على الفائزين بالدورة ال13 لجائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري لأفضل ديوان شعر ، والتى فاز بها الشاعر السعودي جاسم محمد الصحيح ، وجائزة أفضل قصيدة التي فاز بها الشاعر التونسي المكي بن علي الهمامي ، وجائزة أفضل كتاب في نقد الشعر والفائز بها الدكتور يوسف عليمات من الاردن ، كما قام بتكريم الشاعر المصري فاروق جويدة الحائز على جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري التكريمية. والواقع انه حيث لا يكون الشعر يخفت صوت الحياة، وتنطفئ مصابيح العالم في الذات، فيعرى الكائن من دهشته الأولى، وتختل موازين الأشياء، وينكدر بريق الحكمة، فتنسدل العتمة، لأن الشعر انبثاق يضع اللغة في مقام التأمل والتأويل، ويمنح الأبجديات إيقاعها، والإيقاع انسجامه، والكائن وجوده، فالشعراء يتحدثون على حافة الوجود حسب باشلار، وهم كما يرى بوفري « حراس السر» ويؤسسون لنا طبيعتنا الإنسانية، ويقدمون لنا المفتاح لحل لغز اختبار العالم في ذاتهم كما يرى هيدجر. وبهذا الاختبار ينبهنا الشعر إلى كينونتنا، ويشير إلى أحلامنا أن تكون، فتكون، وكأننا ننبثق مع كل انبثاق شعري، فنتشكل بالحرف كما يتشكل فينا، وننهض من أسرارنا في أسراره، فيلقي علينا بردة الخلود، لنكتشف العالم على عتبة الوجود. لقد أشاد رئيس مجلس الوزراءالكويت - في تصريح صحافي له - بتنظيم مثل هذه الفعاليات التي تعنى بالأدب والشعر والثقافة العربية ، موضحا أن المجتمع بحاجة إلى الأنشطة التي ترعى ثقافة أفراده ..مؤكدا أن تعزيز الوعي الفردي بقيم الثقافة ، وأهمية الأدب يهذب ويرسخ السلوك الحضاري لدى المواطنين. من جانبه ، قال رئيس مجلس أمناء المؤسسة الشاعرعبد العزيز سعود البابطين إن المهرجان الذى يحتفي بالشاعرين عبد الله سنان ، ومحمد شحاتة يستقبل شعراء رأوا في الشعر "البصيرة النافذة التي ترى في الظلام الدامس أجنة النور والفراسة الآسرة التي تصغي في الصمت والسكون إلى نشيد الحياة وأن الشعر والاستماع إليه هو رحلة للروح" . وأشار إلى أن الفائزين بالدورة ال13 لجائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري الذين كرموا ممن أخلصوا للكلمة فانقادت لهم ومنحتهم كنوزها الدفينة وجعلوا الكلمة الطيبة "أميرة لا أجيرة" وأن تكون صوت الأمة لا صوت الفصائل وصدى للتاريخ الحي لكل أبعاده لا صدى الأزمنة المندثرة. المهرجان تضمن أمسيات شعرية احياها عدد من الشعراء من داخل الكويت ومن الوطن العربي ، وشارك فيه نقاد وأدباء وإعلاميون من مختلف أرجاء الوطن العربي ، واقيم على هامش المهرجان معرض للكتب والإصدارات الجديدة للمؤسسة يذكر أن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري تم إشهارها عام 1989 في القاهرة بمبادرة من الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين ، وهي مؤسسة ثقافية خاصة غير ربحية تعنى بالشعر دون سواه من الأجناس الأدبية. مهرجان الربيع الشعري هذا العام كان له إيقاعه المختلف، لأن إيقاعه كان منسجما مع إيقاع الربيع العربي، الذي أيقط أروع قصيدة كتبت بإيقاع الحرية، وبالتالي أصبح المهرجان ترسيخا لانبثاق الكائن في تشكيل رؤاه، وترسيخا لانبثاق الحياة في لغة الكائن.
افتتح المهرجان الشاعر عبد العزيز البابطين مبينا أن هذا الربيع الشعري إنما هو سنة سنتها المؤسسة كي يستعيد الشعر دوره المركزي في الثقافة العربية، لأن الشعر كما يرى هو نتاج البصيرة والبصر، وثمرة العقل في أوج يقظته، والشعور في ذروة توهجه، يحفز النفس على تخطي المألوف والراهن، إلى رحاب الإبداع والمغامرة المليئة بالحيوية الدفاقة. وبيّن الشاعر البابطين أن المؤسسة اعتادت في كل ربيع للشعر أن تكرم بعض رموز الشعر في وطننا العربي .إذا كان الربيع قصيدة الوجود، فالشعر هو الذي يمنح ذلك الربيع إيقاعه المختلف، وتراتيله التي تتشكل بين الذات والعالم، ومن هنا كان الربط بين الربيع والشعر كما بين الشاعر عبدالعزيز البابطين: فالشعر ربيع اللغة حين تفصح اللغة عن جمالها الآسر، والربيع هو شعر الطبيعة حين تتخلص الطبيعة من جمودها وكآبتها وتنهض من روعتها المدهشة.
والواقع ان العالم اليوم ثمرة ثورة المعلومات والاتصالات حيث اضحت المعرفة تشكل حجر الاساس في تشييد العالم الجديد، فأحتل الاقتصاد والثقافة مكانة الصدارة في بناء مجتمع المعرفة وهذا ما دفع بالمفكرين الاستراتيجيين وواضعي السياسات الى ايلاء موضوع احلال المعرفة ونشرها وتقاسمها وتداولها وحمايتها الاهمية اللازمة في برامجهم ودراساتهم ومخططاتهم، وفي سياق الدعوة الى ارساء مفهوم جديد للحوار بين الحضارات يقدم على قيم التضامن الانساني ويطرح موضوع انتاج المعرفة في سياق ثقافي تنموي انساني. ففي الندوات والحوارات التي حضرتها في كل من الصين في الاول من اكتوبر الماضي وفي تونس في العشرين من الشهر المنصرم وفي الاول من تشرين الثاني في مؤتمر حضره اكثر من خمسمائة مفكر ومثقف وسياسي عربي حضروا احتفالات مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للابداع الشعري بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقهافي القاهرة اكد المشاركون اهمية حوار الحضارات في تجسيد العملية السلمية واثرها في تلاقح الافكار التي تنبذ العنف وتشدد على الحوار.. هذا فضلا عن الندوات التي شاركت بها مع الزميل والصديق الكاتب المبدع الاستاذ محمد المشايخ مدير مكتب مؤسسة عبدالعزيز البابطين للابداع الشعري مؤخرا في المدينة الثقافية في كل من الزرقاء ومادبا ومعان وغيرها حيث اكدنا معا اهمية الدور الذي تقوم به هذه المؤسسة الثقافية الرائدة من خلال توجهات رئيسها وامينها العام الابدعية الخلاقة في الوطن العربي. واكد رئيس المؤسسة الاستاذ عبدالعزيز البابطين في هذا الحفل الكبير "ان الإطار الصحيح للفهم والتحاور لأية مؤسسة ثقافية فاعلة هو اطار الامة.. لا الإطار الاقليمي لان الثقافة العربية كانت دائما مجتازة للحدود القطرية.. ولم تعرف الانكفاء داخل حدود اي قطر عربي، كما ان المؤسسة لم ترهن نفسها لأية انقسامات يحفل بها الوطن العربي بل سعت الى دعم الشعر والشعراء والثقافة وحوار الحضارات".. ونظرا لأهمية هذه المسألة، فقد ارتأى السيد عبدالعزيز سعود البابطين فصل "حوار الحضارات" عن الندوات الادبية، نظرا لأهمية هذه القضية الحساسة التي تسهم في دعم وارساء السلام وتسعى لتكريس الحضارة بين الشمال الاوروبي وجنوبه العربي، لما له من انعكاسات ايجابية على المجتمع والشعوب التي ترتبط بمصير واحد.. لقد كان احتفال مؤسسة البابطين الثقافية في القاهرة مهما في تاريخ الثقافة العربية، ودورها في خدمة الشعوب حيث اكد الرئيس البوسني الدكتور حارث سيلاجيش اهمية التعاون الثقافي الذي تقوم به هذه المؤسسة لتخدم جميعها اهداف ثقافتنا العربية وتدفعها للمكانة اللائقة بين ثقافات الامم، وهي التي تهدف الى بناء لبنة مهمة في صرح الادب العربي واعادة الرونق له ايضا. هذه الحوارات بين الشرق والغرب لنظرية "صدام الحضارات" باعتبارها واحدة من اهم الطروحات حول العلاقة بين الثقافات المختلفة تعالج بشكل اساس ما اطلق عليه اسم "الحرب العالمية الرابعة" التي بدأت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم تنته حتى الآن، فضلا عن كونها تبحث عن سبل التفاهم والانفتاح على الاخر باعتباره واحدا من اساليب تجنب الصراع والصدام بين حضارات وثقافات اخرى، والسعي لتصحيح المفاهيم المغلوطة كما اشار الى ذلك السيد البابطين وضرورة ترجمة تلك المفاهيم الى واقع وضرورة الانفتاح عربيا واسلاميا ودوليا. فهذا الحوار الذي شاركت به في الدول المذكورة خاصة في الصين في مبنى التلفزيون الكبير والذي أشرت خلاله الى مؤسسة الاستاذ البابطين ودورها الريادي في التثقيف ورعاية الشعر، انما تمثل أنموذجا لتحقيق التفاهم والتعايش بين مختلف الكتل الثقافية والحضارية والسياسية، فضلا عن مقاومة كل اشكال اللاتفاهم التي قد تؤدي الى حصول التوترات او الصراعات او الحروب، كما تهدف ايضا الى احلال التعايش بين مختلف الثقافة والتعاون المشترك بتبادل المعارف والافكار والابداعات الانسانية عبر وسائل عديدة أهمها الترجمة والرحلات والهجرة وتعليم اللغات واقامة المعارض والجهد الدبلوماسي وتبادل زيارات الوفود الثقافية والمعرفية، باعتبارها تشكل أهم ادوات التواصل والتضامن العالمي في مجال المعرفة لأن الحوار اصبح افتراضيا ورقميا والكترونيا الى درجة اصبح فيها الحوار عن بعد اكثر امكانية للتحقيق. ولعل أهمية تعميق اهداف الحوار الحضاري وشحذ آلياته في عصرنا في ما بلغته البشرية من تقدم عظيم وانجاز كبير في مجال تقنيات الاتصال وانتاج المعلومات وتبادلها حيث أصبحت هذه الوسائل تمثل اداة فعالة لتحقيق تقدم العلوم والمعارف فجسدت بذلك فرصا عديدة لاسعاد الانسان وتوسيع طاقاته، خاصة واننا نعيش في فضاء اتصال يُتيح فرص معرفة الامم بعضها ببعض ويسهل عمليات التفاهم والتعاون والتضامن بينها، وهذا يفرض علينا كأدباء ومثقفين وسياسيين الاعتراف بأن شروط الحوار البناء بحاجة الى المزيد من الفهم والتعاون، لانها لم تكتمل بعد وانها لن تُحقَّق الا بعد تكريس ثقافة الحوار ونشر قيمه. ولعل اهم مدخل لذلك كما اقترحه الشاعر البابطين في الحفل الكبير بالقاهرة هو ضرورة تحديد المفاهيم وضبطها فضلا عن ضرورة استعراض اهم المبادرات والانجازات المتعلقة بالحوار الحضاري استخلاصا للعبر واستئناساً بالتجارب، حتى نبني تضامنا حضاريا بين الشعوب والثقافات لا مكان فيه للاقصاء او التهميش. فالمطلوب في هذه المرحلة من المثقفين كافة احياء الضمير الثقافي واستنهاضه درءاً للمخاطر التي باتت تهدد الحضارات الانسانية، لأن هذا الضمير مدعو الى أنسنة العولمة، وعليهم ايضا القيام بدور رئيس للتأسيس الفاعل لتضامن حضاري لأن صوتهم سوف يعلو فوق اصوات الغلاة والمتطرفين ودعاة التماثل والتنميط وحماية التراث الثقافي سواء في وطننا العربي وبخاصة في مدينة القدس او غيرها. ولعله من المفيد الاستنارة بما ذهب اليه "ادغار موران" وهو احد كبار الفلاسفة المعاصرين من حكمة وعمق حينما اعتبر ان الحوار ينبني على التفاهم او التفهم قائلا "فاذا فهمنا اننا لا نفهم بعضنا فان ذلك في حد ذاته تقدم كبير".والواقع ان هدف مؤسسة البابطين للابداع الشعري تقديم رسالة جديدة هي نشر الوئام والتفاهم وتبديد سوء الفهم والنزاعات من اجل تجسيد التنوع الثقافي ويمكن القول ان مؤسسة الاستاذ عبد العزيز البابطين للابداع الشعري مارست دورها الثقافي بامتياز فعمدت الى ثقافة المواجهة , ثقافة التلاقي والتلاقح والتواصل والتفاعل والتكامل في ارساء اسس عميقة وثابتة للحوار بين الشرق والغرب واستطاعت ان تركب المركب الخشن وتتصدى لحواجز التحديات وتحطم جدار الطلاق الحضاري وتحوله الى جسر من المحبة والتلاقي بين الحضارات والثقافات والديانات لان الثقافة تثري التنوع والاختلاف , فالمجتمعات القائمة على التنافر والتضاد اكثر دينامية حضارية وتوهجا من تلك القائمة على الاحادية والتماثل التي تصيبها الرتابة والبلادة مع الوقت بالوهن والهرم . فالامم ينبغي الا تهرم كما يقول الفيلسوف – غوستاف لوبون- فتمسي آسنة كالمستنقعات. ومن هذا المنطلق يقول الناقد الانكليزي المعروف راسكن – الشعر روح الادب والادب هو ما يرفع النفس ويفتق العقل ويلطف الذوق-. . رئىس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية abdqaq@orange .jo