جمال المصري
ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ( ائتيا طوعــا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) فصّـلت ، في هذه الآية يحدثنا الله تبارك وتعالى عن قول السماء والأرض ( قالتا أتينا طائعين ) ربما تكون هذه الترددات الصوتية التي أصدرها الكون في بداية خلقه ، هي امتثال وطاعة لأمر الله لأن الله تبارك وتعالى يقول : ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) الإسراء ، توجد أدلة دامغة اليوم على أن الأرض تشكلت من الدخان الكوني ، وقد كان الدخـان ينتشر في كل مكان أثناء تشكل الأرض وبعد تشكلها لملايين السنين ، أي أنه في اللحظة التي تشكلت فيها الأرض كان الدخان موجودا ، وفي كتاب الله تبارك وتعالى إشارة رائعة إلى هذا الأمر عندما قال : ( قل أئنكم لتكفرون بالـذي خلـق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقـــدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السمـــاء الدنيــا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) فصّلت .
خلق الله تعالى الأرض في يومين أي أن الأرض لـم تكن موجــودة فأوجدهــا الله فـي يومين ولكنها غيــر صالحة للحياة ، فقدر فيها أقواتها وخلق عليها الجبال وغير ذلك بشكل يجعلها صالحة للحيـاة ، ( وقـدر فيها أقواتها في أربعة أيام ) فيكون المجموع ستة أيام ، في هذه الأيام الستة كانت السماء موجودة وممتلئة بالدخان ، والدليل على أنها موجودة قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) أي أن الاستواء كان بعــد خلــق السماء وبعد خلق الأرض ، أي أنه بعد ستة أيام تم خلق السماء والأرض .. ولم يقل رب العالميــن ( ثــم خلــق السماء ) بل قال ( ثم استوى إلى السماء ) فالسماء مخلوقــة وموجودة مع الأرض ، وهــذا ما يقــرره العلــم الحديــث أيضاً ، ثم بعد .
ذلك جعل هـذه السماء الواحدة سبع طبقات بعضها فوق بعض ، وهذه العملية لا علاقة لها بخلق السموات ، بل هي عملية منفصلة تمّت بعد خلق السموات وسمّاها القرآن بعملية التسوية ، لأن الله قــال : ( فقضاهن سبع سماوات ) لم يقل ( فخلقهن ) ، وهذا دليل على أن السماء موجـودة أصلا ومنــذ البدايـــة ، وخلقت مع الأرض ولكنها لم تأخذ شكلها النهائي لأنها كانت دخانا وهذا ما يؤكده العلماء اليـــوم أيضاً .. إذا أكــد القرآن أن الأرض والسماء كانتا مخلوقتين ثم سوى الله السماء وجعلها سبع سموات ، ولذلك قال في آيـة أخرى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهــو بكـل شيء عليم ) البقرة ، تأملوا معي كلمة ( فسواهن ) لم يقل ( فخلقهن ) والخلق يختلف عن التسوية .. سبحانك ربي تعاليت .